حقوق الورثة بين الشريعة والقانون المدني ؟

تُعد مسألة الإرث من أهم المواضيع القانونية والشرعية التي تمس حياة الناس بشكل مباشر، حيث تتعلق بتوزيع التركة بعد وفاة المورّث. وقد أولت الشريعة الإسلامية موضوع الميراث عناية فائقة، إذ خصص له القرآن الكريم آيات مفصلة، وبيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم أحكامه بدقة. بالمقابل، نجد أن القانون المدني في البلدان العربية، خاصة ذات المرجعية الإسلامية، قد تبنى جانباً كبيراً من أحكام الشريعة مع بعض التعديلات التي تراعي الواقع القانوني الحديث.

تهدف هذه المقالة إلى دراسة حقوق الورثة من منظور الشريعة الإسلامية والقانون المدني، من خلال الوقوف على أوجه التشابه والاختلاف، وتحليل الأسس التي يقوم عليها كل نظام، مع عرض بعض الإشكالات العملية والنماذج التطبيقية.

 مفهوم الميراث في الشريعة الإسلامية ؟

  • الميراث هو انتقال المال أو الحق بعد موت صاحبه إلى ورثته الشرعيين وفقاً لأحكام محددة شرعاً.
  • وهو من الأمور التعبدية، إذ إن تقسيم التركة ليس خاضعاً لاجتهاد بشري مطلق، بل وضع الله له ضوابط ومعايير.

مفهومة في القانون المدني :

  • في القانون المدني، يعرف الميراث بأنه انتقال أموال وحقوق وديون المورّث إلى أشخاص تربطهم به صلة قرابة أو علاقة قانونية، وفقاً لنصوص القانون المعمول به.
  • ويُنظر إليه من منظور حقوقي بحت، يخضع للأنظمة الوضعية.

 أهمية تنظيم الميراث :

  • تحقيق العدالة بين الورثة.

  • حفظ أواصر القرابة.

  • منع النزاعات الأسرية بعد الوفاة.

  • ضمان تداول الثروة وانتقالها بطريقة منظمة.

مصادر أحكام الميراث ؟

مصادر أحكام الميراث تتعدد بتعدد النظم القانونية والشرعية التي تنظّم هذا المجال، لكن يمكن تقسيمها بوجه عام إلى قسمين رئيسيين: مصادر شرعية (دينية) ومصادر قانونية (مدنية). إليك بيانًا لكل منها:

 في الشريعة الإسلامية :

  • القرآن الكريم: كآيات سورة النساء (11، 12، 176).

  • السنة النبوية: مثل حديث “ألحقوا الفرائض بأهلها…”.

  • الإجماع: اتفقت الأمة على تفاصيل المواريث بعد عصر التشريع.

  • القياس في بعض الحالات التي لم يرد فيها نص.

 في القانون المدني :

  • الدستور: بعض الدساتير تنص على أن الشريعة مصدر رئيسي للتشريع.

  • القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية: وهي تختلف من دولة لأخرى.

  • القضاء والاجتهاد القضائي: يكمّل النصوص القانونية.

  • السوابق القضائية وأحكام المحاكم.

أركان الميراث وشروطه ؟

أركان الميراث وشروطه تُعد من الأساسيات المهمة في علم الفرائض (علم المواريث)، وهي التي تُحدد تحقق انتقال التركة من المورِّث إلى الورثة. وفيما يلي تفصيل لأركان الميراث وشروطه:

في الشريعة الإسلامية :

  • الموروث: المتوفى الذي تُوزع تركته.

  • الوارث: من يستحق الميراث شرعاً.

  • التركة: ما يُخلفه الميت من مال أو حقوق.

شروط الإرث:

  • تحقق موت المورث.

  • تحقق حياة الوارث عند موت المورث.

  • العلم بسبب الإرث (كالنسب أو الزواج).

 في القانون المدني :

يتم اعتماد الأركان ذاتها، مع التركيز على:

  • إثبات الوفاة رسمياً.

  • وجود صلة قرابة قانونية مثبتة.

  • تحرير قائمة للتركة من قبل المحكمة أو موثق.

 الورثة المستحقون للتركة ؟

الورثة المستحقون للتركة في الشريعة الإسلامية يُقسّمون إلى ثلاثة أصناف رئيسية، ويُعطى كل صنف حقه وفق قواعد محددة في علم الفرائض، وهم:

 في الشريعة الإسلامية :

ينقسم الورثة إلى:

  • أصحاب الفروض: الذين لهم نصيب مقدر في القرآن (كالزوجة، الأم، الابن…).

  • العصبة: من يرث ما تبقى بعد أصحاب الفروض.

  • ذوو الأرحام: في بعض المذاهب، يرثون عند عدم وجود أصحاب الفروض أو عصبة.

 في القانون المدني :

يتم تحديد الورثة بناءً على:

  • القرابة: الأصول، الفروع، الحواشي.

  • الزواج: للزوج/الزوجة حق الإرث.

  • الوصية: تؤخذ بعين الاعتبار في حدود معينة.

  • في بعض البلدان، يمكن تبني الوريث قانوناً (وهو ما لا تعترف به الشريعة الإسلامية).

 توزيع التركة ؟

توزيع التركة يعتمد على قواعد دقيقة في الشريعة الإسلامية  لضمان حقوق الورثة وتنظم كيفية تقسيم المال بين الورثة وفقًا لأحكام علم الفرائض. يتم تقسيم التركة بناءً على أصحاب الفروض أولًا، ثم يتم توزيع المتبقي على العصبة إذا كان هناك.

 في الشريعة الإسلامية :

تُوزع التركة بعد خصم:

  • الحقوق المتعلقة بالميت: كتكاليف التجهيز والديون.
  • الوصايا (في حدود الثلث، لغير الورثة).
  • ثم توزع التركة وفق أنصبة محددة في القرآن.

أمثلة:

  • البنت ترث النصف إذا كانت وحدها.
  • الزوجة ترث الربع إذا لم يكن للميت ولد.

في القانون المدني :

  • تتبع الإجراءات القانونية:

  • جرد التركة.
  • تسوية الديون.
  • تطبيق أحكام الميراث حسب القانون.
  • قد تختلف الأنصبة عن الشريعة إذا تم اعتماد نظام “الوصية الواجبة” أو التعديل على قواعد الإرث لأسباب اجتماعية.

 الوصية بين الشريعة والقانون ؟

  • الوصية من الموضوعات الهامة في كل من الشريعة الإسلامية والقانون المدني.
  • هي تصرف قانوني يتيح للإنسان أن يحدد مصير جزء من ممتلكاته بعد وفاته، لكنها محكومة بقواعد وضوابط تختلف بين الشريعة الإسلامية والتشريعات القانونية في الدول المختلفة.
  • بينما تولي الشريعة الإسلامية الوصية مكانة عالية في تحقيق العدالة بين الأحياء والورثة وضمان حقوق الورثة ، تفرض القوانين المدنية بعض التعديلات على هذا المفهوم لتتناسب مع الأنظمة الحديثة.

 في الشريعة :

  • الوصية جائزة في حدود الثلث، ولغير الورثة فقط.

  • لا يجوز الوصية لوارث إلا بإجازة بقية الورثة.

 في القانون المدني :

  • بعض القوانين تطبق “الوصية الواجبة” كحالة أولاد الابن المتوفى قبل والده، فيرثون مكان أبيهم، وهي اجتهاد قانوني غير منصوص عليه شرعاً.

  • الوصية قد تُقبل أو تُرفض حسب الصيغة والشروط القانونية.

التعارض بين أحكام الشريعة والقانون ؟

  • التعارض بين أحكام الشريعة الإسلامية والقانون المدني يُعد من الموضوعات التي تثير الكثير من النقاش في العديد من البلدان التي تتبنى مزيجاً من النظامين القانونيين.
  • بشكل عام، تتنوع الأنظمة القانونية بين الدول، حيث أن بعض البلدان تعتمد على الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع لضمان حقوق الورثة ،
  • بينما تعتمد دول أخرى على قوانين مدنية مستوحاة من التشريعات الغربية أو الفرنسية.

 أسباب التعارض :

  • تحديث القوانين لاستيعاب المستجدات الاجتماعية.

  • محاولة المشرعين التوفيق بين الشريعة والقوانين الدولية.

  • ضغوط حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين.

 أمثلة على الاختلاف :

  • المساواة بين الذكر والأنثى: في الشريعة “للذكر مثل حظ الأنثيين”، بينما تنادي بعض القوانين بالمساواة المطلقة.

  • حرمان بعض الأقارب: كالأخ غير الشقيق في بعض القوانين.

  • الميراث بالتبني: معترف به في القانون، مرفوض في الشريعة.

حالات تطبيقية مقارنة ؟

هناك حالات تطبيقية مقارنة منها :

الحالة الأولى: وفاة رجل وترك زوجة وأب وأم وابنة في الشريعة:

  • الزوجة: 1/8
  • الأب: السدس
  • الأم: السدس
  • البنت: النصف
  • والباقي يُرد حسب المذهب.
  • في القانون المدني: قد يتم التوزيع بناءً على تشريعات خاصة بكل بلد (مثلاً في مصر أو المغرب).

الحالة الثانية: امرأة توفيت وتركت ابن بنت فقط :

  • في الشريعة: لا يرث.
  • في القانون: قد يرث عبر “الوصية الواجبة”.

 الحلول المقترحة للتوفيق بين النظامين ؟

  1. تعزيز الوعي الشرعي والقانوني لدى العامة.
  2. إعادة النظر في التشريعات بما لا يخالف نصوص الشريعة القطعية.
  3. فتح باب الاجتهاد ضمن ضوابط الشريعة لمراعاة التغيرات المجتمعية.
  4. تفعيل دور القضاء الشرعي في المسائل التي تتعلق بالميراث.

 

وللمزيد من المعلومات حول الاستشارات القانونية، يمكنك الاستعانة بمحام  من مكتب الزيات للمحاماة والاستشارات القانونية. وذلك بفضل خبرته الكبيرة في المسائل القضائية بأنواعها. كما يمكنك أيضًا معرفة المزيد عن مكتب والتواصل معنا عن طريق الضغط هنا أو من خلال النموذج التالي: