آليات تعديل الدساتير: السلطة التأسيسية المنشأة والمعدلة

يعتبر الدستور أعلى سند قانوني في الدولة، إذ يحدد شكل الحكم، ويضمن الحقوق والحريات، وينظم السلطات العامة والعلاقة بينها وبين المواطنين. ومن هنا تنبع أهمية آليات تعديل الدساتير، فالدستور، رغم كونه قاعدة قانونية عليا، ليس نصًا جامدًا غير قابل للتغيير. إن تعديل الدستور ضرورة ملحة في بعض الحالات، سواء لاستيعاب التطورات السياسية والاجتماعية، أو لتصحيح الثغرات القانونية، أو لضمان التوازن بين السلطات.

وتطرح عملية تعديل الدستور تساؤلات مهمة حول: من له الحق في التعديل؟ وما هي الحدود القانونية والسياسية التي يجب الالتزام بها؟ وكيف يمكن التوفيق بين استقرار النص الدستوري ومرونته لمواكبة التغيرات؟

في هذا السياق، تظهر فكرة السلطة التأسيسية المنشأة والمعدلة، كآلية أساسية لفهم كيفية تعديل الدساتير، حيث يتم التمييز بين السلطة التي وضعت الدستور في الأصل والسلطة التي لها الحق في تغييره أو تعديله لاحقًا.

أولاً: مفهوم السلطة التأسيسية

السلطة التأسيسية هي السلطة العليا التي تتولى وضع الدستور الأصلي للدولة أو صياغة دستور جديد. وتتميز هذه السلطة بعدة خصائص:

  • السيادة المطلقة: فهي غير خاضعة لأي سلطة قائمة أو قوانين سابقة.
  • القدرة على إنشاء نظام سياسي جديد: بما في ذلك تحديد شكل الدولة، ونظام الحكم، وتقسيم السلطات.
  • عدم التقيد بالقوانين السابقة: فهي مصدر كل القوانين، وليس ملزمة بأي قانون أو دستور سابق.

1. أنواع السلطة التأسيسية :

تنقسم السلطة التأسيسية إلى نوعين أساسيين:

  • السلطة التأسيسية المنشأة: وهي التي وضعت الدستور لأول مرة بعد الاستقلال أو الثورة أو الانقلاب الدستوري.
  • مثال: السلطة التي أعدت دستور مصر عام 1923 بعد الاستقلال عن بريطانيا، أو السلطة التي أعدت دستور فرنسا عام 1958.
  • السلطة التأسيسية المعدلة: وهي التي لها الحق في تعديل الدستور القائم أو وضع دستور جديد، لكنها قد تكون مقيدة ببعض القواعد التي حددها الدستور نفسه، أو بالسوابق الدستورية.

2. المبدأ القانوني والفلسفي :

  • من منظور فلسفي، ترتبط السلطة التأسيسية بفكرة السيادة الشعبية، إذ تعتبر تجسيدًا لإرادة الشعب في وضع قواعد الحكم العليا.
  • وقد أشار جون لوك وروسو إلى أن الشعب هو المصدر الأول للسلطة، وأن أي دستور يجب أن يعكس إرادة المواطنين.

ثانياً: آليات تعديل الدساتير

  • الدستور هو القانون الأعلى في أي دولة، ويحدد شكل الحكم، ونظام السلطات، وحقوق المواطنين.
  • مع ذلك، يبقى الدستور نصًا حيًا يمكن تعديله لمواكبة التطورات السياسية والاجتماعية أو لتصحيح الثغرات القانونية.
  • عملية تعديل الدستور تتم عبر آليات محددة لضمان التوازن بين استقرار النظام ومرونته.

1. تعديل الدساتير بالسلطة الأصلية أو الشعبية :

  • في بعض الحالات، يتم تعديل الدستور من خلال استفتاء شعبي مباشر، أي إخضاع التعديلات لموافقة المواطنين.
  • وتتميز هذه الآلية بالشرعية العالية لأنها تعكس إرادة الشعب مباشرة.
  • مثال: التعديلات الدستورية في سويسرا التي تخضع للاستفتاء الشعبي.

2. تعديل الدساتير من خلال السلطة التشريعية :

تعتمد معظم الدول على البرلمان أو هيئة تشريعية لتعديل الدستور، لكن غالبًا بشروط مشددة مثل:

  • الأغلبية الخاصة (مثل ثلثي أو ثلاثة أرباع أعضاء البرلمان).
  • المرور بعدة قراءات ومراحل لتجنب التعديلات المتسرعة.
  • مثال: الولايات المتحدة، حيث يتطلب تعديل الدستور موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس وموافقة ثلاثة أرباع الولايات.

3. تعديل الدساتير من خلال السلطة التأسيسية المعدلة :

في بعض الأنظمة، تكون هناك سلطة تأسيسية جديدة أو مجلس تأسيسي معدّل مهمته تعديل الدستور أو صياغة دستور جديد.

خصائصها:

  • تستمد مشروعيتها من الشعب، غالبًا من خلال انتخاب أعضاء المجلس.
  • يمكنها تجاوز بعض القيود المفروضة على السلطة التشريعية العادية.
  • تمثل حلًا وسطًا بين السلطة الشعبية المباشرة والسلطة التشريعية التقليدية.

4. التعديل القضائي أو الرقابي :

في بعض الأنظمة، يلعب القضاء دورًا محدودًا في حماية الدستور، مثل:

  • الرقابة على دستورية التعديلات، أي التأكد من أنها لا تنتهك المبادئ الأساسية (الدستورية العليا).
  • تحديد مدى التزام السلطات بمبادئ الدولة الأساسية أثناء التعديل.
  • مثال: المحكمة الدستورية في ألمانيا التي تحمي “جوهر الدستور” حتى من التعديلات البرلمانية.

ثالثاً: الشروط القانونية لتعديل الدساتير

  1. الحد الأدنى للشرعية: موافقة الأغلبية البرلمانية أو الاستفتاء الشعبي.
  2. مبدأ جوهر الدستور: بعض الدساتير تمنع تعديل مبادئ معينة، مثل شكل الدولة أو نظام الحكم.
  3. الإجراءات الشكلية: مرور التعديلات بعدة مراحل، مثل القراءة الأولى والثانية ثم المصادقة.
  4. الرقابة القضائية:ضمان عدم مخالفة التعديلات للحقوق الأساسية أو المبادئ الجوهرية.

رابعاً: التحديات المرتبطة بتعديل الدساتير

  1. السياسية: استغلال التعديل لتحقيق مكاسب حزبية أو سياسية قصيرة المدى.
  2. القانونية: تجاوز بعض السلطات حدودها أو التعديل دون استيفاء الشروط الدستورية.
  3. المجتمعية: رفض الشعب للتعديلات التي قد تقيد حقوقه أو تقلل من ضماناته.

أمثلة عالمية:

  • مصر: تعديلات 2019 التي أثارت جدلاً حول مدد الرئاسة وصلاحيات البرلمان.
  • تركيا: تعديل 2017 الذي حول النظام من برلماني إلى رئاسي، مما أثار نقاشًا حول التوازن بين السلطات.

سادساً: آليات حماية جوهر الدستور أثناء التعديل

  1. المحكمة الدستورية العليا: مراقبة دستورية التعديلات. حماية المبادئ الجوهرية مثل الديمقراطية والفصل بين السلطات.
  2. الاستفتاء الشعبي: يعطي مصداقية للتعديل ويجعل السلطة المعدلة مسؤولة أمام الشعب.
  3. القيود البرلمانية: تحديد الأغلبية المطلوبة لتعديل الدستور، بما يمنع التعديلات المتسرعة.

يتمتع مكتبنا بخبرة واسعة في مختلف أنواع القضايا والمسائل القانونية، مما يجعله خيارًا مثاليًا لكل من يبحث عن حلول قانونية دقيقة وفعالة. سواء كنت تواجه قضية شخصية أو تجارية، أو تحتاج إلى توجيه قانوني متخصص، فإن فريق المحامين لدينا على استعداد لتقديم الدعم الكامل لك.

لمعرفة المزيد عن خدماتنا أو لحجز استشارة قانونية، يمكنك التواصل معنا عبر الضغط على الرابط التالي، أو ملء النموذج أدناه وسنقوم بالرد عليك في أقرب وقت ممكن:

[“contact-form-7 id=”218″ title=”اتصل بنا”]