تُعد إصابات العمل من أخطر المخاطر التي تهدد حياة العامل وسلامته الجسدية والنفسية، كما تمثل أحد التحديات الجوهرية التي تواجه علاقات العمل الحديثة. فمع تطور وسائل الإنتاج وتنوع بيئات العمل، ازداد تعرض العمال لمخاطر مهنية متعددة، سواء كانت جسدية أو كيميائية أو نفسية. ومن هنا جاءت أهمية تنظيم إصابات العمل تشريعيًا، بهدف تحقيق التوازن بين مصلحة العامل في الحماية والتعويض، ومصلحة صاحب العمل في استقرار النشاط الإنتاجي.
وقد أولت القوانين واللوائح العمالية في معظم الدول، ومنها التشريعات العربية، اهتمامًا بالغًا بإصابات العمل، فنصّت على تعريفها، وحددت شروط اعتبار الإصابة إصابة عمل، ورتبت التزامات قانونية على أصحاب الأعمال، وقررت حقوقًا وضمانات للعمال المصابين، سواء من حيث العلاج أو التعويض أو المعاشات.
تهدف هذه المقالة إلى تقديم دراسة شاملة لمفهوم إصابات العمل، وأنواعها، وأسس المسؤولية عنها، وحقوق العامل المصاب، والتزامات صاحب العمل، وآليات التعويض والوقاية، وذلك في ضوء القوانين واللوائح العمالية المعمول بها.
أولًا: مفهوم إصابة العمل وأهميتها القانونية
- تعرف إصابة العمل بأنها: كل ضرر بدني أو نفسي يلحق بالعامل نتيجة حادث يقع أثناء أداء العمل أو بسببه، أو نتيجة مرض مهني ناشئ عن طبيعة العمل أو ظروفه.
- ويتضح من هذا التعريف أن إصابة العمل لا تقتصر على الحوادث المفاجئة فقط، بل تشمل أيضًا الأمراض المهنية التي تتراكم آثارها مع مرور الزمن.
الأساس القانوني لمفهوم إصابة العمل :
- استند المشرع في تنظيم إصابات العمل إلى مبدأ الحماية الاجتماعية للعامل، باعتباره الطرف الأضعف في علاقة العمل،
- وإلى فكرة أن العامل يعرض صحته وسلامته للخطر في سبيل تحقيق مصلحة صاحب العمل، مما يوجب توفير الحماية والتعويض عند تحقق الضرر.
أهمية تنظيم إصابات العمل :
تتجلى أهمية تنظيم إصابات العمل في عدة جوانب، أهمها:
- حماية حياة العامل وسلامته الجسدية.
- تحقيق العدالة الاجتماعية.
- ضمان استقرار علاقات العمل.
- الحد من النزاعات العمالية.
- تشجيع أصحاب الأعمال على توفير بيئة عمل آمنة.
ثانيًا: شروط اعتبار الواقعة إصابة عمل
لا يُعتد بأي إصابة على أنها إصابة عمل إلا بتوافر شروط معينة حددتها القوانين واللوائح العمالية.
وقوع الإصابة أثناء العمل :
يشترط أن تقع الإصابة خلال وقت العمل أو أثناء أداء العامل لمهامه الوظيفية. ويدخل في ذلك:
- وقت العمل الرسمي.
- ساعات العمل الإضافي.
- فترات الراحة إذا كان العامل داخل مكان العمل.
وقوع الإصابة بسبب العمل :
- يشترط وجود علاقة سببية بين العمل والإصابة، أي أن تكون الإصابة ناتجة عن طبيعة العمل أو الأدوات المستخدمة فيه أو ظروفه.
إصابات الطريق :
تعتبر بعض التشريعات أن الإصابة التي تقع للعامل أثناء ذهابه إلى العمل أو عودته منه تُعد إصابة عمل، بشرط:
- أن يسلك العامل الطريق المعتاد.
- ألا يكون قد انحرف عن الطريق لغرض شخصي.
الأمراض المهنية :
تُعد الأمراض الناتجة عن التعرض المستمر لعوامل ضارة في بيئة العمل من قبيل إصابات العمل، مثل:
- أمراض الجهاز التنفسي.
- التسمم المهني.
- فقدان السمع أو البصر بسبب العمل.
ثالثًا: أنواع إصابات العمل
- تنقسم إصابات العمل، من الناحية القانونية والعملية، إلى عدة أنواع رئيسية،
- وذلك بحسب طبيعة الإصابة وسببها وزمن حدوثها، وقد اعتمدت التشريعات العمالية هذا التقسيم لتسهيل تحديد المسؤولية وبيان حقوق العامل المصاب.
الحوادث المهنية :
وهي الإصابات الناتجة عن حادث مفاجئ، مثل:
- السقوط.
- الحروق.
- الكسور.
- الصدمات الكهربائية.
الأمراض المهنية :
وهي الأمراض التي تنشأ تدريجيًا بسبب طبيعة العمل، مثل:
- الأمراض الجلدية.
- أمراض الرئة.
- الأمراض الناتجة عن الضوضاء أو الاهتزاز.
الإصابات النفسية :
تعترف بعض التشريعات الحديثة بالإصابات النفسية الناتجة عن العمل، مثل:
- الاكتئاب المهني.
- اضطرابات القلق.
- الإجهاد الوظيفي الحاد.
رابعًا: التزامات صاحب العمل بشأن إصابات العمل
- تُعد التزامات صاحب العمل تجاه إصابات العمل من أهم الركائز التي يقوم عليها نظام الحماية العمالية،
- إذ تهدف إلى وقاية العامل من المخاطر المهنية وضمان العلاج والتعويض العادل عند وقوع الإصابة.
- وقد فرض المشرّع هذه الالتزامات باعتبار صاحب العمل الطرف المنظم لبيئة العمل والمسؤول عن توفير شروط السلامة.
توفير بيئة عمل آمنة :
يلتزم صاحب العمل باتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لحماية العامل من المخاطر المهنية، بما في ذلك:
- توفير أدوات السلامة.
- صيانة الآلات.
- تدريب العمال على إجراءات السلامة.
التأمين ضد إصابات العمل :
تُلزم القوانين أصحاب الأعمال بالاشتراك في نظام التأمين الاجتماعي لتغطية إصابات العمل، بما يضمن:
- العلاج الطبي.
- التعويض المالي.
- صرف المعاشات في حالات العجز أو الوفاة.
الإبلاغ عن إصابة العمل :
- يجب على صاحب العمل الإبلاغ عن الإصابة فور وقوعها إلى الجهة المختصة، مع تقديم البيانات اللازمة.
عدم إنهاء خدمة العامل المصاب تعسفيًا :
- تحظر القوانين فصل العامل بسبب إصابته، طالما كان قيد العلاج أو التعافي.
خامسًا: حقوق العامل المصاب بإصابة عمل
- تُعد التزامات صاحب العمل تجاه إصابات العمل من أهم الركائز التي يقوم عليها نظام الحماية العمالية،
- إذ تهدف إلى وقاية العامل من المخاطر المهنية وضمان العلاج والتعويض العادل عند وقوع الإصابة.
- وقد فرض المشرّع هذه الالتزامات باعتبار صاحب العمل الطرف المنظم لبيئة العمل والمسؤول عن توفير شروط السلامة.
الحق في العلاج :
يحق للعامل المصاب الحصول على العلاج الكامل على نفقة الجهة المختصة، ويشمل:
- العلاج الطبي.
- العمليات الجراحية.
- الأدوية.
- التأهيل الطبي.
الحق في الأجر أثناء العلاج :
يستحق العامل المصاب أجره أو تعويضًا ماليًا خلال فترة العلاج، وفقًا لما تحدده القوانين.
التعويض عن العجز :
إذا ترتب على الإصابة عجز جزئي أو كلي، يستحق العامل:
- تعويضًا نقديًا.
- أو معاش عجز دائم.
حقوق أسرة العامل في حالة الوفاة :
إذا أدت الإصابة إلى وفاة العامل، تستحق أسرته:
- تعويضًا ماليًا.
- معاشًا مستحقًا وفق نظام التأمين.
سادسًا: المسؤولية القانونية عن إصابات العمل
- يولي المشرّع اهتمامًا خاصًا بحماية العامل المصاب بإصابة عمل، باعتباره الطرف المتضرر الذي تعرض للأذى أثناء أداء واجبه المهني.
- ولذلك قرر له مجموعة من الحقوق الجوهرية التي تهدف إلى ضمان العلاج والرعاية وتحقيق التعويض العادل والحفاظ على مركزه الوظيفي.
مسؤولية صاحب العمل :
- تقوم مسؤولية صاحب العمل غالبًا على أساس المسؤولية المفترضة، أي دون حاجة لإثبات الخطأ، متى ثبتت علاقة الإصابة بالعمل.
مسؤولية العامل :
قد يُحرم العامل من بعض الحقوق إذا ثبت:
- تعمده إحداث الإصابة.
- مخالفته الصريحة لتعليمات السلامة.
مسؤولية الغير:
- إذا كانت الإصابة نتيجة خطأ طرف ثالث، يجوز الرجوع عليه بالتعويض.
سابعًا: إجراءات المطالبة بالتعويض عن إصابة العمل
تمر المطالبة بالتعويض بعدة مراحل:
- الإبلاغ عن الإصابة.
- توقيع الكشف الطبي.
- تحديد نسبة العجز.
- صرف التعويض أو المعاش.
ثامنًا: الوقاية من إصابات العمل
- تُعد الوقاية من إصابات العمل حجر الأساس في منظومة الحماية العمالية، إذ لا يقتصر دور التشريع على علاج آثار الإصابة أو التعويض عنها،
- بل يمتد إلى منع وقوعها من الأساس. وقد أولت القوانين واللوائح العمالية أهمية كبرى للوقاية، باعتبارها الوسيلة الأكثر فعالية لحماية العامل وضمان استمرارية الإنتاج.
دور التشريعات :
تسهم القوانين في الوقاية من إصابات العمل عبر:
- فرض معايير السلامة.
- توقيع العقوبات على المخالفين.
دور صاحب العمل :
يشمل:
- التدريب المستمر.
- توفير معدات الوقاية.
- نشر ثقافة السلامة.
دور العامل :
يتعين على العامل:
- الالتزام بتعليمات السلامة.
- استخدام أدوات الوقاية.
- الإبلاغ عن المخاطر.
تاسعًا: إصابات العمل في ضوء الاتفاقيات الدولية
أقرت منظمة العمل الدولية العديد من الاتفاقيات التي تنظم السلامة والصحة المهنية، وأكدت على:
- حق العامل في بيئة عمل آمنة.
- ضرورة التعويض العادل.
- الوقاية من المخاطر المهنية.