العلاوات التي يستحقها الموظف العام

تُعد العلاوات أحد أهم الحقوق المالية التي يتمتع بها الموظف العام، إذ تمثل وسيلة رئيسية لتحفيزه على أداء مهامه الوظيفية بكفاءة، كما تضمن له حياة مادية مستقرة تتناسب مع متطلبات المعيشة. والعلاوة لا تُعتبر مجرد زيادة دورية في الأجر، بل هي في جوهرها أداة إدارية وقانونية تهدف إلى مكافأة الجهد، وتقدير الكفاءة، وتحقيق العدالة الوظيفية بين العاملين في الجهاز الإداري للدولة.
وتتباين أنواع العلاوات وأحكامها من نظام إلى آخر، إلا أن المبدأ العام الذي يجمعها هو أنها تمثل حقًا مكتسبًا للموظف متى توافرت شروط استحقاقها، ولا يجوز حرمانه منها إلا وفقًا للقانون.

تهدف هذه المقالة إلى تحليل النظام القانوني للعلاوات التي يستحقها الموظف العام، من خلال بيان أنواعها، والأساس القانوني الذي تستند إليه، وشروط استحقاقها، والآثار القانونية المترتبة عليها، مع الاستعانة بأمثلة من التشريعات العربية والمقارنة، وموقف الفقه والقضاء الإداري منها.

أولًا: مفهوم العلاوة وأهميتها القانونية

  • العلاوة هي زيادة مالية تُضاف إلى الراتب الأساسي للموظف العام، سواء بصورة دورية أو استثنائية أو نتيجة لترقية أو كفاءة في الأداء.
  • وتُعد جزءًا من النظام المالي للوظيفة العامة الذي يهدف إلى تنظيم العلاقة بين الدولة وموظفيها من حيث الحقوق والالتزامات.

وقد عرّفتها بعض التشريعات بأنها:

  • “مبلغ من المال يُضاف إلى أجر الموظف في فترات زمنية محددة أو بناء على أسباب معينة وفقًا للقانون أو اللوائح التنفيذية.”
  • أما الفقه الإداري فيرى أن العلاوة تمثل أداة لتحفيز الموظفين على الاستمرار في العمل العام، وتعبّر عن اعتراف الدولة بجهودهم وتطور أدائهم الوظيفي.

1. الأهمية القانونية للعلاوة :

تكتسب العلاوة أهميتها من كونها ترتبط بثلاثة أبعاد رئيسية:

  1. البعد المالي: إذ تمثل أحد مكونات الأجر الإجمالي، وتؤثر في المعاش التقاعدي، وفي حساب المكافآت والمزايا المالية الأخرى.
  2. البعد الوظيفي: فهي وسيلة لتقدير الكفاءة وتشجيع الاجتهاد والانضباط، وتدخل ضمن سياسة الموارد البشرية للدولة.
  3. البعد الاجتماعي: إذ تُسهم في تحسين مستوى معيشة الموظف بما ينعكس إيجابًا على استقرار المجتمع الوظيفي.

ثانيًا: الأساس القانوني للعلاوات

  • تستند العلاوات إلى النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحدد أنواعها وشروط استحقاقها. ويُعد قانون الخدمة المدنية أو ما يعادله في كل دولة هو المصدر الأساسي الذي ينظم هذا الحق.

1. في التشريع المصري :

  • نظم قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 أحكام العلاوات بأنواعها، حيث نص في مواده على استحقاق الموظف للعلاوة الدورية السنوية بنسبة محددة من الأجر الوظيفي،
  • فضلًا عن العلاوات التشجيعية، والترقيات، والعلاوات الاستثنائية التي تُمنح بقرارات خاصة.

2. في التشريعات العربية المقارنة :

  • في المملكة العربية السعودية، نص نظام الخدمة المدنية على منح الموظف علاوة سنوية تُضاف إلى راتبه وفق سلم الرواتب العام، على ألا يُمنح العلاوة إذا كان أداؤه الوظيفي غير مرضٍ.
  • أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد نظّم قانون الموارد البشرية الاتحادي العلاوات الدورية والتشجيعية، مع وضع ضوابط ومعايير للأداء تحدد مدى استحقاقها.
  • وفي المغرب وتونس والأردن، تُعتبر العلاوة جزءًا من الأجر القانوني، وتُمنح وفق الأقدمية أو الكفاءة أو بقرار إداري مسبب.

ثالثًا: أنواع العلاوات التي يستحقها الموظف العام

تنقسم العلاوات إلى عدة أنواع، تختلف بحسب سبب منحها أو طبيعتها القانونية أو مصدرها. ويمكن تصنيفها إلى الأنواع التالية:

1. العلاوة الدورية (السنوية) :

  • هي أكثر أنواع العلاوات شيوعًا، وتُمنح للموظف بشكل سنوي منتظم طالما استمر في الخدمة ولم تصدر بحقه جزاءات تؤثر على استحقاقها.
  • وتُعتبر حقًا مكتسبًا للموظف متى توافرت شروطها، ولا يجوز حجبها إلا بقرار مسبب.

خصائصها:

  • تُمنح في موعد محدد من كل عام.

  • تُحسب بنسبة من الأجر الأساسي أو الوظيفي.

  • ترتبط بمدة الخدمة والانضباط الوظيفي.

أهميتها:

  • العلاوة الدورية تمثل وسيلة لتدرج الأجر الوظيفي بما يتناسب مع طول الخدمة والخبرة المكتسبة، وهي من الحقوق المستقرة في معظم التشريعات الإدارية.

2. العلاوة التشجيعية :

تُمنح للموظف الذي يظهر تفوقًا ملحوظًا في الأداء أو إبداعًا في العمل. وهي وسيلة لتكريم المتميزين وتحفيز الآخرين على الاجتهاد.

شروطها:

  • أن يكون الموظف قد أتم مدة خدمة معينة (غالبًا سنتين على الأقل).
  • أن يثبت تفوقه أو تميزه بتقارير أداء معتمدة.
  • صدور قرار إداري بمنحها وفقًا للوائح.

الهدف منها:

  • تحقيق العدالة التحفيزية بين الموظفين، وربط الكفاءة بالاستحقاق المالي.

3. علاوة الترقية :

تُمنح للموظف عند ترقيته إلى درجة أو وظيفة أعلى، وهي تختلف عن العلاوة الدورية من حيث سببها وأثرها المالي.

خصائصها:

  • تُمنح لمرة واحدة مع كل ترقية.
  • تترتب على انتقال الموظف إلى درجة مالية أعلى.
  • قد تشمل زيادة في الأجر الأساسي أو مزايا أخرى.

أثرها القانوني:

  • تُعتبر الترقية والعلاوة المرتبطة بها اعترافًا من الإدارة بجدارة الموظف، ولها أثر في تعديل مركزه القانوني داخل السلم الوظيفي.

4. العلاوة الاستثنائية :

  • تُمنح في حالات خاصة بقرار من السلطة المختصة (مثل رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء) تقديرًا لجهود استثنائية أو بمناسبة ظروف اقتصادية معينة.

طبيعتها القانونية:

  • تُعد منحة ذات طابع تقديري، وليست التزامًا قانونيًا على جهة الإدارة إلا إذا صدر بها قرار تنظيمي عام.

أمثلة:

  • العلاوات التي تُمنح لتحسين مستوى المعيشة أو لمعالجة آثار التضخم، أو تقديرًا لجهود خاصة في مشروع وطني.

5. العلاوة الاجتماعية أو غلاء المعيشة :

  • تهدف هذه العلاوة إلى مجاراة ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، وغالبًا ما تُقرّها الدولة بقرارات دورية عامة.
  • وتُعد من الأدوات المالية التي تستخدمها الحكومات لتحقيق التوازن الاجتماعي بين فئات الموظفين.

6. العلاوة العلمية :

  • تُمنح للموظف الذي يحصل على مؤهل علمي أعلى من المؤهل المطلوب لوظيفته، كالماجستير أو الدكتوراه، وذلك تشجيعًا على تطوير الذات والبحث العلمي.

الأساس القانوني:

  • نصت بعض القوانين (كالقانون المصري) على منح نسبة معينة من الأجر كعلاوة علمية تُضاف إلى الأجر الوظيفي عند تقديم ما يثبت الحصول على المؤهل.

7. العلاوة الخاصة (أو الدورية الإضافية) :

  • هي زيادة تُقرّها الدولة من وقت لآخر لجميع العاملين أو لفئات محددة، وغالبًا ما تكون خارج نطاق العلاوات الدورية.
  • وقد تتحول بمرور الوقت إلى جزء من الأجر الأساسي كما حدث في مصر بعد دمج العلاوات الخاصة في الأجر الوظيفي.

رابعًا: شروط استحقاق العلاوة

لكي يستحق الموظف أي نوع من أنواع العلاوات، لا بد من توافر مجموعة من الشروط القانونية والإدارية، من أهمها:

  1. المدة الزمنية للخدمة: يجب أن يكون الموظف قد أمضى مدة محددة دون انقطاع تؤهله للحصول على العلاوة.
  2. تقرير الكفاية أو الأداء: يشترط في أغلب القوانين أن يكون تقرير الكفاية عن السنة السابقة بدرجة لا تقل عن “جيد”.
  3. عدم توقيع جزاءات مؤثرة: تُحجب العلاوة عن الموظف إذا صدر بحقه جزاء تأديبي معين خلال فترة التقييم.
  4. الاستمرارية في الخدمة: لا تُمنح العلاوة لمن انقطعت صلته بالوظيفة العامة قبل حلول موعدها.
  5. صدور قرار إداري صريح: حتى تصبح العلاوة نافذة، يجب أن تُقر بقرار إداري من الجهة المختصة.

خامسًا: الآثار القانونية للعلاوة

تترتب على منح العلاوة مجموعة من الآثار القانونية والمالية، منها:

  1. زيادة الأجر الأساسي أو الوظيفي، مما ينعكس على كافة الحقوق المالية المستقبلية.
  2. احتساب العلاوة ضمن عناصر الأجر التقاعدي، مما يؤثر في حساب المعاش.
  3. ترسيخ المركز القانوني للموظف، خاصة في حالات العلاوات المرتبطة بالترقية أو الكفاءة.
  4. انعكاسها على العدالة الوظيفية بين العاملين، إذ تُعتبر مؤشرًا على مدى تطبيق مبدأ المساواة في الفرص والمكافأة.

سادسًا: القيود القانونية على منح العلاوات

رغم أن العلاوة حق للموظف، إلا أن هناك قيودًا قانونية تضعها الإدارة حفاظًا على الانضباط المالي والوظيفي، منها:

  1. القيود الميزانية: قد تحد المخصصات المالية من إمكانية صرف بعض العلاوات الاستثنائية.
  2. الجزاءات التأديبية: تحجب العلاوة عن الموظف الذي يخل بواجباته أو يُسجل أداءً ضعيفًا.
  3. الحدود العليا للأجور: في بعض الأنظمة، لا يجوز أن يتجاوز الأجر الكلي حدًا معينًا حتى بعد إضافة العلاوات.
  4. الضوابط التنظيمية: مثل وجوب صدور قرار من السلطة المختصة، أو توافر التقارير الدورية.

سابعًا: موقف الفقه والقضاء الإداري من العلاوات

إليك شرحًا مفصّلًا لموقف الفقه والقضاء الإداري من العلاوات التي يستحقها الموظف العام:

1. موقف الفقه :

  • ذهب الفقه الإداري إلى أن العلاوة تعد حقًا ماليًا مشروعًا للموظف، وليست منحة أو تفضّل من الإدارة.
  • ويرى الفقهاء أن حرمان الموظف من العلاوة دون سند قانوني يُعد انحرافًا بالسلطة ويخالف مبدأ المساواة في الوظيفة العامة.
  • كما أكد الفقه أن العلاوة تندرج ضمن عناصر الأجر، وبالتالي فإنها تدخل في حساب التعويض والمعاش وكل الحقوق المترتبة على انتهاء الخدمة.

2. موقف القضاء الإداري :

استقرت أحكام القضاء الإداري، وخاصة مجلس الدولة المصري، على المبادئ التالية:

  • العلاوة الدورية حق مكتسب لا يجوز سحبها أو وقفها إلا بمقتضى القانون.
  • القرار الإداري بحرمان الموظف من العلاوة يجب أن يكون مسببًا وإلا اعتُبر مشوبًا بعيب إساءة استعمال السلطة.
  • العلاوات الخاصة والعلمية إذا كانت مقررة بنص قانوني تُعتبر من الحقوق الثابتة التي لا يجوز للإدارة الامتناع عن صرفها.

وفي القضاء المقارن، أكدت المحاكم الإدارية في فرنسا والمغرب على أن العلاوة وسيلة لتحقيق العدالة الوظيفية، وأن الإدارة لا تملك سلطة مطلقة في منحها أو حجبها.

ثامنًا: التطورات الحديثة في نظم العلاوات

مع تطور نظم الإدارة العامة، ظهرت اتجاهات جديدة في منح العلاوات، من أبرزها:

  1. ربط العلاوة بالأداء الفعلي: لم تعد العلاوة تُمنح تلقائيًا، بل بناء على تقييم موضوعي للكفاءة والإنجاز.
  2. العلاوة الرقمية (الإلكترونية): حيث يتم احتسابها وصرفها إلكترونيًا ضمن أنظمة الموارد البشرية الحديثة.
  3. العلاوة التحفيزية الجماعية: تُمنح لفريق عمل أو وحدة إدارية حققت إنجازًا جماعيًا.
  4. الدمج بين العلاوات والمكافآت: في بعض الدول جرى دمج العلاوة مع نظام الحوافز لزيادة المرونة المالية.

تاسعًا: المشكلات العملية المتعلقة بالعلاوات

تواجه أنظمة العلاوات في الدول العربية عددًا من الإشكالات، أبرزها:

  1. غياب العدالة في التقييم: إذ قد تُمنح العلاوات بناء على المحاباة أو التقدير الشخصي.
  2. تأخر صرف العلاوات أو ضمّها للأجر: مما يخلق تباينات في الأجور بين الموظفين.
  3. ضعف الرقابة المالية والإدارية: في بعض الجهات، ما يؤدي إلى تضخيم النفقات أو سوء التوزيع.
  4. التأثير الاقتصادي: فالعلاوات الدورية المتكررة قد تُشكل عبئًا على الموازنة العامة دون زيادة مقابلة في الإنتاجية.

عاشرًا: مقترحات لتطوير نظام العلاوات

يمكن تحسين نظام العلاوات للموظف العام من خلال:

  1. ربط العلاوة بالأداء والإنتاجية الفعلية وليس فقط بالأقدمية.
  2. توحيد المعايير والضوابط القانونية لصرف العلاوات في جميع الجهات الحكومية.
  3. إشراك الأجهزة الرقابية في متابعة تطبيق نظام العلاوات.
  4. إدماج التكنولوجيا في تقييم الأداء وصرف العلاوات إلكترونيًا لضمان الشفافية.
  5. مراجعة دورية للقوانين واللوائح لمواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
  6. نشر ثقافة العدالة التحفيزية بحيث تكون العلاوة وسيلة لتقدير الكفاءة لا مجرد إجراء روتيني.

يتمتع مكتبنا بخبرة واسعة في مختلف أنواع القضايا والمسائل القانونية، مما يجعله خيارًا مثاليًا لكل من يبحث عن حلول قانونية دقيقة وفعالة. سواء كنت تواجه قضية شخصية أو تجارية، أو تحتاج إلى توجيه قانوني متخصص، فإن فريق المحامين لدينا على استعداد لتقديم الدعم الكامل لك.

لمعرفة المزيد عن خدماتنا أو لحجز استشارة قانونية، يمكنك التواصل معنا عبر الضغط على الرابط التالي، أو ملء النموذج أدناه وسنقوم بالرد عليك في أقرب وقت ممكن:

[“contact-form-7 id=”218″ title=”اتصل بنا”]