الفعل الضار في مصادر الالتزام

يُعد الالتزام أحد المفاهيم المحورية في القانون المدني، إذ تقوم عليه العلاقات القانونية بين الأفراد، سواء نشأ هذا الالتزام عن إرادة المتعاقدين أو عن نص القانون ذاته. وتتنوع مصادر الالتزام في التشريعات المدنية الحديثة، فتشمل العقد، والإرادة المنفردة، والقانون، والإثراء بلا سبب، وأخيرًا الفعل الضار، الذي يمثل أحد أهم وأوسع هذه المصادر نطاقًا من حيث التطبيق العملي.

ويحتل الفعل الضار مكانة بارزة في النظام القانوني؛ لأنه يرتبط بحماية الحقوق والمصالح المشروعة للأفراد، ويُعد الأداة القانونية الأساسية لجبر الضرر متى وقع اعتداء غير مشروع على الغير. فكلما أُصيب شخص بضرر نتيجة سلوك خاطئ صادر عن غيره، نشأ التزام قانوني بالتعويض، حتى ولو لم تربط بين الطرفين علاقة تعاقدية سابقة.

وتكمن أهمية دراسة الفعل الضار في كونه يجسد فكرة العدالة التعويضية، ويعكس التوازن بين حرية الفرد في التصرف، ووجوب عدم الإضرار بالغير. لذلك، تسعى هذه المقالة إلى تناول مفهوم الفعل الضار، وأساسه القانوني، وأركانه، وصوره، وآثاره، مع بيان موقف التشريعات المدنية، والفقه، والقضاء من هذا المصدر الجوهري من مصادر الالتزام.

أولًا: مفهوم الفعل الضار وأهميته في القانون المدني

  • الفعل الضار هو كل فعل غير مشروع يصدر عن شخص، ويترتب عليه إلحاق ضرر بالغير، مما يُنشئ التزامًا قانونيًا بتعويض هذا الضرر. ويُعرف في الفقه المدني بأنه:
  • “كل خطأ يُسبب ضررًا للغير، ويُلزم من ارتكبه بتعويض المضرور.”
  • ويُقابل مصطلح الفعل الضار في الفقه اللاتيني مصطلح المسؤولية التقصيرية (Responsabilité délictuelle)، تمييزًا لها عن المسؤولية العقدية التي تنشأ عن الإخلال بالتزام تعاقدي.

1. الفعل الضار كمصدر مستقل للالتزام :

  • يمتاز الفعل الضار بأنه مصدر غير إرادي للالتزام، إذ لا يتطلب توافق إرادتين كما هو الحال في العقد، بل ينشأ الالتزام فيه بقوة القانون متى توافرت أركانه.
  • فالشخص قد لا يقصد إحداث الضرر، ومع ذلك يلتزم بتعويضه إذا ثبت الخطأ في جانبه.

ويهدف المشرّع من تقرير هذا المصدر إلى:

  • حماية السلامة الجسدية والمالية والمعنوية للأفراد
  • منع التعسف في استعمال الحقوق
  • تحقيق الردع العام والخاص
  • إعادة التوازن الذي اختل بسبب وقوع الضرر

ثانيًا: الأساس القانوني للفعل الضار

  • يُعد الفعل الضار أحد أهم مصادر الالتزام في القانون المدني، إذ يقوم بدور جوهري في حماية الحقوق والمصالح المشروعة للأفراد،
  • ويُنشئ التزامًا قانونيًا بالتعويض كلما وقع اعتداء غير مشروع ترتب عليه ضرر.
  • ويستند الفعل الضار إلى مجموعة من الأسس القانونية والفلسفية والتشريعية التي تُبرر قيام المسؤولية المدنية.

1. الأساس التشريعي :

تنص معظم القوانين المدنية العربية، ومنها القانون المدني المصري، على أن:

  • “كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض.”
  • ويُفهم من هذا النص أن الالتزام بالتعويض لا يحتاج إلى اتفاق مسبق، بل يكفي تحقق الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما.

2. الأساس الفلسفي :

يقوم الفعل الضار على مبدأ أخلاقي وقانوني قديم، مفاده:

  • “لا ضرر ولا ضرار”
  • وهو مبدأ مستقر في الفقه الإسلامي، انتقل إلى النظم القانونية الحديثة بصور مختلفة، مؤكدًا أن حرية الفرد في التصرف تقف عند حدود عدم الإضرار بالغير.

3. الأساس الاجتماعي :

  • يُعد الفعل الضار وسيلة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، إذ يمنح المضرور وسيلة قانونية لجبر الأذى،
  • ويمنع انتشار فكرة الانتقام الذاتي، ويُرسخ الثقة في النظام القانوني.

ثالثًا: أركان الفعل الضار

  • لا تقوم المسؤولية الناشئة عن الفعل الضار إلا بتوافر ثلاثة أركان أساسية، هي: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية.

أولًا: ركن الخطأ

  • الخطأ هو إخلال الشخص بواجب قانوني يفرض عليه سلوكًا معينًا، يتمثل في الانحراف عن سلوك الشخص المعتاد في نفس الظروف.

ويتحقق الخطأ سواء كان:

  • إيجابيًا: كإتلاف مال الغير
  • سلبيًا: كالإهمال أو الامتناع عن أداء واجب قانوني

1. عناصر الخطأ :

يتكون الخطأ من عنصرين:

  • عنصر مادي: يتمثل في السلوك غير المشروع
  • عنصر معنوي: يتمثل في الإدراك والتمييز (إلا في حالات المسؤولية المفترضة)

2. صور الخطأ :

  • الخطأ العمدي
  • الخطأ غير العمدي (الإهمال، الرعونة، عدم الاحتياط)
  • الخطأ الجسيم
  • الخطأ اليسير

ولا يعتد بدرجة الخطأ في قيام المسؤولية، وإنما قد يكون لها أثر في تقدير التعويض.

ثانيًا: ركن الضرر

  • الضرر هو الأذى الذي يصيب الشخص في حق أو مصلحة مشروعة، سواء كان هذا الأذى ماديًا أو معنويًا.

1. أنواع الضرر :

  • يُعد الضرر ركنًا أساسيًا لقيام المسؤولية المدنية الناشئة عن الفعل الضار، فلا مسؤولية بغير ضرر.
  • وقد تنوّعت صور الضرر بحسب طبيعته، ومحلّه، ودرجة تحققه، وهو ما استقر عليه الفقه والقضاء في التشريعات المدنية الحديثة.

أ- الضرر المادي وهو الضرر الذي يصيب الذمة المالية للشخص، مثل:

  • تلف الأموال
  • فوات الكسب
  • تكاليف العلاج

ب- الضرر المعنوي وهو الضرر الذي يصيب المشاعر أو الكرامة أو السمعة، مثل:

  • الألم النفسي
  • التشهير
  • المساس بالاعتبار الاجتماعي

وقد اعترفت التشريعات الحديثة والقضاء بحق التعويض عن الضرر المعنوي.

2. شروط الضرر :

  • أن يكون محققًا أو محتمل الوقوع بدرجة كبيرة
  • أن يكون شخصيًا
  • أن يكون مباشرًا

ثالثًا: ركن علاقة السببية

  • علاقة السببية هي الرابطة التي تربط بين الخطأ والضرر، بحيث يكون الضرر نتيجة طبيعية ومباشرة للخطأ.

1. أهمية السببية :

  • بدون علاقة السببية، تنتفي المسؤولية، حتى لو تحقق الخطأ والضرر. ولذلك، يقع عبء إثبات السببية على عاتق المضرور.

2. أسباب انقطاع السببية :

تنقطع علاقة السببية إذا تدخل:

  • السبب الأجنبي
  • القوة القاهرة
  • خطأ المضرور نفسه
  • خطأ الغير

رابعًا: صور خاصة للفعل الضار

  • لا تقتصر المسؤولية المدنية الناشئة عن الفعل الضار على الصورة التقليدية المتمثلة في الخطأ الشخصي المباشر،
  • وإنما توسّع المشرّع والفقه والقضاء في نطاقها، فقرّروا صورًا خاصة للمسؤولية تقوم أحيانًا على افتراض الخطأ أو دون الحاجة إلى إثباته، تحقيقًا لحماية أوسع للمضرور.
  • ومن أهم هذه الصور ما يأتي:

1. المسؤولية عن فعل الغير :

قد يسأل الشخص عن أفعال غيره، كما في:

  • مسؤولية الولي عن فعل القاصر
  • مسؤولية المتبوع عن فعل التابع

وتقوم هذه المسؤولية على قرينة الخطأ في الرقابة أو الاختيار.

2. المسؤولية عن الأشياء :

يسأل الشخص عن الضرر الذي تحدثه الأشياء التي تحت حراسته، مثل:

  • السيارات
  • الآلات
  • الحيوانات

وهي مسؤولية تقوم في كثير من الحالات دون حاجة لإثبات الخطأ.

خامسًا: آثار الفعل الضار

  • يترتب على تحقق الفعل الضار، بتوافر أركانه من خطأ وضرر وعلاقة سببية، نشوء آثار قانونية مهمة،
  • تهدف في مجموعها إلى جبر الضرر وتحقيق العدالة المدنية. وتتمثل هذه الآثار أساسًا في قيام الالتزام بالتعويض، وما يتفرع عنه من حقوق والتزامات.

1. نشوء الالتزام بالتعويض :

  • يترتب على تحقق الفعل الضار نشوء التزام قانوني في ذمة المسؤول بتعويض المضرور.

2. تقدير التعويض :

يُقدَّر التعويض بقدر الضرر، ويشمل:

  • ما لحق المضرور من خسارة
  • ما فاته من كسب

ويجوز للقاضي تقدير التعويض نقدًا أو عينًا.

3. انتقال الحق في التعويض :

  • ينتقل الحق في التعويض إلى الورثة في حدود معينة، خاصة إذا كان الضرر ماديًا.

سادسًا: الفعل الضار في ضوء الفقه والقضاء

أقر الفقه القانوني أن الفعل الضار يمثل حجر الأساس للمسؤولية المدنية، وأكد القضاء على مرونة هذا النظام، بما يسمح له بمواكبة التطورات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في مجالات:

  • حوادث المرور
  • الأخطاء الطبية
  • المسؤولية المهنية

يتمتع مكتبنا بخبرة واسعة في مختلف أنواع القضايا والمسائل القانونية، مما يجعله خيارًا مثاليًا لكل من يبحث عن حلول قانونية دقيقة وفعالة. سواء كنت تواجه قضية شخصية أو تجارية، أو تحتاج إلى توجيه قانوني متخصص، فإن فريق المحامين لدينا على استعداد لتقديم الدعم الكامل لك.

لمعرفة المزيد عن خدماتنا أو لحجز استشارة قانونية، يمكنك التواصل معنا عبر الضغط على الرابط التالي، أو ملء النموذج أدناه وسنقوم بالرد عليك في أقرب وقت ممكن:

[“contact-form-7 id=”218″ title=”اتصل بنا”]