القانون الأصلح للمتهم

يُعتبر مبدأ القانون الأصلح للمتهم من أبرز المبادئ القانونية التي ترسّخ العدالة الجنائية وتُجسد حماية حقوق الإنسان في مواجهة سلطة الدولة العقابية. فهو يعكس البعد الإنساني للقانون الجنائي، ويوازن بين مصلحة المجتمع في مكافحة الجريمة وبين ضرورة عدم التضحية بحقوق الأفراد الأساسية. ويقصد به أن يتم تطبيق القانون الأكثر رفقًا بالمتهم إذا تعاقبت قوانين متعددة على الفعل الواحد، بحيث يجنّب المتهم العقوبة الأشد أو يتيح له الاستفادة من أحكام قانونية أكثر ملاءمة.

هذه الدراسة تسعى إلى تناول المبدأ من جوانبه المختلفة: مفهومه، أساسه الشرعي والقانوني، طبيعته، نطاق تطبيقه، التحديات التي تواجهه، والممارسات القضائية بشأنه، مع التركيز على مكانته في التشريعات المقارنة والفقه الإسلامي، وذلك في إطار ما يقارب 5000 كلمة.

الفصل الأول: الإطار المفاهيمي لمبدأ القانون الأصلح للمتهم

  • يُعد مبدأ القانون الأصلح للمتهم من المبادئ الجوهرية في العدالة الجنائية،
  • وهو يمثل انعكاساً للرؤية الإنسانية للقانون الجنائي.
  • فالقانون لا ينبغي أن يكون أداةً للقمع، وإنما وسيلة لضمان التوازن بين حماية المجتمع من الجريمة،
  • وبين حماية حقوق وحريات الأفراد من التعسف.
  • ويكتسب هذا المبدأ أهميته من كونه استثناءً على قاعدة أساسية هي مبدأ “عدم رجعية القوانين”،
  • لكنه استثناء إيجابي يستهدف تعزيز حقوق المتهم وصون كرامته الإنسانية.

1- تعريف المبدأ :

  • القانون الأصلح للمتهم هو قاعدة قانونية تقضي بتطبيق النص الأكثر فائدة للمتهم إذا تعاقبت قوانين جنائية على الفعل ذاته.
  • ويُعرف أيضاً بمبدأ “رجعية القانون الأصلح للمتهم”، لأنه يمثل استثناءً من قاعدة عدم رجعية القوانين الجنائية.

2- الأساس الفلسفي للمبدأ :

  • يقوم المبدأ على فلسفة العدالة الجنائية التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين العقاب والإصلاح.
  • يعكس جانب الرحمة والإنسانية في القانون الجنائي.
  • يتماشى مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يمنع العقاب إلا بنص قانوني واضح، لكنه يسمح بتطبيق النص الأخف لصالح المتهم.

3- العلاقة بمبدأ عدم رجعية القوانين :

  • الأصل أن القوانين لا تُطبق بأثر رجعي حفاظًا على الاستقرار القانوني،
  • لكن المشرع أجاز استثناءً تطبيق القانون الأصلح للمتهم لما في ذلك من ضمانات للعدالة والرحمة.

الفصل الثاني: الأساس الشرعي لمبدأ القانون الأصلح للمتهم

  • تُعد الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للقانون في الدول الإسلامية،
  • وهي شريعة قامت على مبادئ العدل والرحمة ورفع الحرج.
  • وإذا كان مبدأ “القانون الأصلح للمتهم” قد ظهر في القوانين الوضعية الحديثة في صورة نصوص صريحة،
  • فإن روحه ومضمونه موجودان في التشريع الإسلامي منذ أربعة عشر قرناً.
  • فقد قررت الشريعة الإسلامية أن الأصل في العقوبات هو تحقيق مقاصد الإصلاح والردع العام والخاص
  • ، لا مجرد الإيلام والانتقام، وهو ما ينسجم مع فكرة التخفيف وإعمال الأصلح للمتهم.

1- في الفقه الإسلامي :

  • الإسلام جعل درء الحدود بالشبهات قاعدة أساسية: “ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم”.
  • التخفيف عن الجاني إذا وُجد ما يخفف من مسؤوليته أو عقوبته.
  • مبدأ التوبة في الشريعة الإسلامية قد يؤدي إلى إسقاط الحد إذا كانت قبل القدرة عليه.
  • هذه المبادئ الشرعية تعكس روح “الأصلح للمتهم”.

2- في مقاصد الشريعة :

  • مقصد حفظ النفس: بتخفيف العقوبة بما يحقق الإصلاح.
  • مقصد تحقيق العدالة: بعدم إنزال عقوبة أشد مع وجود ما هو أخف.
  • مقصد الرحمة: الشريعة مبنية على اليسر ورفع الحرج.

الفصل الثالث: الأساس القانوني لمبدأ القانون الأصلح للمتهم

  • يستمد مبدأ القانون الأصلح للمتهم أساسه من القواعد العامة في الشرعية الجنائية،
  • ويُعدّ استثناءً على قاعدة عدم رجعية القوانين الجنائية. وقد أقرّته معظم التشريعات الوضعية الحديثة،
  • بل تجاوز نطاقها ليصبح مبدأً معترفاً به دولياً، من خلال العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والاتفاقيات الإقليمية لحقوق الإنسان.
  • ويعكس هذا الإقرار القانوني رغبة المشرع في حماية الأفراد من قسوة العقوبات غير المتناسبة، وضمان العدالة الإنسانية في السياسة الجنائية.

1- في القانون الدولي :

  • المادة 15 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: “إذا حدث بعد ارتكاب الفعل تغيير في القانون، يُطبق القانون الأصلح للمتهم”.
  • النص موجود في اتفاقيات إقليمية أخرى مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

2- في التشريعات الوطنية :

  • أغلب القوانين الجنائية في العالم العربي والغربي تتضمن نصوصاً تُقر بهذا المبدأ.
  • مثال: المادة الخامسة من قانون العقوبات المصري.
  • القوانين الفرنسية والألمانية تنص عليه أيضاً.

3- في الاجتهاد القضائي :

  • المحاكم العليا والدستورية غالباً ما تؤكد على إلزامية تطبيق القانون الأصلح للمتهم باعتباره ضمانة أساسية.

الفصل الرابع: نطاق تطبيق القانون الأصلح للمتهم

  • يُعتبر مبدأ تطبيق القانون الأصلح للمتهم أحد أهم المبادئ التي تعكس التوازن بين متطلبات العدالة الجنائية وحماية حقوق الإنسان.
  • فهو يتيح للمتهم الاستفادة من التعديلات القانونية الجديدة التي قد تتسم بالرحمة أو التخفيف أو الإلغاء الكلي للتجريم.
  • غير أن نطاق تطبيق هذا المبدأ ليس مطلقًا، بل تحكمه ضوابط موضوعية وزمنية ونوعية، يمكن توضيحها كما يلي:

1- نطاقه الزمني :

  • يطبق عند تعاقب القوانين على فعل واحد.
  • يمكن أن يكون القانون الجديد قد:
  • ألغى التجريم.
  • خفف العقوبة.
  • استحدث أسباباً للإعفاء أو التخفيف.

2- نطاقه الموضوعي :

  • يشمل القانون الجنائي الموضوعي دون الشكلي.
  • لا يُطبق في القواعد الإجرائية إلا إذا كانت أكثر ضماناً للمتهم.

3- صور تطبيقه :

  • إلغاء التجريم: كما في جرائم سياسية تم إلغاؤها.
  • تخفيف العقوبة: مثال تخفيض الحد الأقصى أو استحداث عقوبات بديلة.
  • تعديل وصف الجريمة: من جناية إلى جنحة.
  • إدخال أسباب جديدة للإعفاء: مثل العفو التشريعي.

الفصل الخامس: التحديات العملية في تطبيق القانون الأصلح للمتهم

  • رغم عدالة ووجاهة مبدأ القانون الأصلح للمتهم، إلا أن تطبيقه في الواقع العملي يصطدم بجملة من التحديات القانونية والقضائية والإجرائية،
  • بل وحتى التشريعية. هذه التحديات قد تحدّ من فاعلية المبدأ أو تؤدي إلى تناقض في تطبيقه بين القضايا المختلفة.

1- صعوبة تحديد “الأصلح” :

  • قد يكون القانون الجديد أصلح من جهة وأشد من جهة أخرى.
  • يترك للمحكمة سلطة الموازنة.

2- الإشكالات في الجرائم المستمرة :

  • تحديد أي قانون يُطبق على الجريمة الممتدة عبر الزمن.

3- التعارض مع مبدأ استقرار الأحكام :

  • إذا صدر حكم نهائي، هل يجوز إعادة النظر فيه لصالح المتهم؟
  • بعض التشريعات تجيز ذلك في حال صدور قانون أصلح.

4- اختلاف الفقه القضائي :

  • اختلاف المحاكم في تفسير حدود تطبيق المبدأ.

الفصل السادس: البعد الحقوقي والإنساني للمبدأ

  • يُعتبر مبدأ القانون الأصلح للمتهم من أبرز المبادئ التي تُجسّد البعد الإنساني في السياسة الجنائية الحديثة.
  • فهو لا يقتصر على كونه قاعدة قانونية تقنية تتعلق بسريان القوانين الجنائية من حيث الزمان،
  • بل يتجاوز ذلك ليعكس فلسفة حقوقية عميقة تضع كرامة الإنسان وحرياته الأساسية في صميم العملية القضائية.

1- حماية حقوق الإنسان :

  • يعزز الحق في محاكمة عادلة.
  • ينسجم مع مبدأ عدم المعاملة القاسية أو اللاإنسانية.

2- تعزيز الثقة بالقانون :

  • يطمئن الأفراد بأن القانون لا يُستخدم ضدهم تعسفاً.
  • يُشجع على الامتثال الطوعي للقانون.

3- أثره في إعادة الإدماج الاجتماعي :

  • العقوبة الأخف تسهم في إعادة المتهم إلى المجتمع بدلاً من تهميشه.

الفصل السابع: المقارنة بين الأنظمة القانونية

  • تُعد مسألة تطبيق القانون الأصلح للمتهم من القضايا الجوهرية التي تختلف من نظام قانوني إلى آخر،
  • وذلك حسب فلسفة كل نظام في التعامل مع الجرائم وحماية حقوق الأفراد. وفيما يلي أبرز ملامح المقارنة:

1- النظام اللاتيني (القانون المدني) :

  • يقر المبدأ صراحة في القوانين الجنائية.
  • فرنسا، إيطاليا، مصر.

2- النظام الأنجلوسكسوني (القانون العام) :

  • يطبق عبر السوابق القضائية وليس نصوصاً واضحة.
  • قد يختلف نطاقه بحسب الولاية أو المحكمة.

3- النظام الإسلامي :

  • يُجسد المبدأ بروح التخفيف والرحمة.
  • قاعدة درء الحدود والقصاص بالرحمة.

الفصل الثامن: أمثلة واقعية وتطبيقات قضائية

  • تطبيق مبدأ القانون الأصلح للمتهم ليس مجرد نصوص نظرية، بل له تطبيقات فعلية في مختلف الأنظمة القانونية،
  • وقد أثرت هذه التطبيقات على حياة المتهمين وضمان حقوقهم الأساسية. فيما يلي أبرز الأمثلة:

1- إلغاء قوانين تجريم الرأي :

  • المستفيدون من إلغاء العقوبة عن أفعال لم تعد مجرّمة.

2- تخفيف عقوبة المخدرات في بعض الدول :

  • الانتقال من عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إلى السجن المحدد.

3- أحكام محاكم النقض :

  • تطبيق المادة 5 من قانون العقوبات المصري في قضايا جنائية كثيرة لصالح المتهمين.

الفصل التاسع: الرأي الفقهي حول المبدأ

  • يُعتبر مبدأ تطبيق القانون الأصلح للمتهم من المبادئ المهمة التي حظيت باهتمام واسع لدى الفقهاء في مختلف المذاهب الفقهية،
  • حيث يرتبط بالعدالة والرحمة وحقوق الأفراد، وخاصة في الجرائم الجنائية. وفيما يلي أهم الملاحظات الفقهية:

1- المؤيدون :

  • يرونه ضمانة أساسية للحرية الفردية.
  • يتفق مع مقاصد العدالة.

2- المعارضون :

  • يخشون من المساس بهيبة القانون واستقرار الأحكام.
  • قد يشجع على التراخي في الالتزام بالقانون.

3- الرأي الراجح :

  • وجوب التمسك بالمبدأ مع وضع ضوابط دقيقة لعدم إساءة استعماله.

 

يتمتع مكتبنا بخبرة واسعة في مختلف أنواع القضايا والمسائل القانونية، مما يجعله خيارًا مثاليًا لكل من يبحث عن حلول قانونية دقيقة وفعالة. سواء كنت تواجه قضية شخصية أو تجارية، أو تحتاج إلى توجيه قانوني متخصص، فإن فريق المحامين لدينا على استعداد لتقديم الدعم الكامل لك.

لمعرفة المزيد عن خدماتنا أو لحجز استشارة قانونية، يمكنك التواصل معنا عبر الضغط على الرابط التالي، أو ملء النموذج أدناه وسنقوم بالرد عليك في أقرب وقت ممكن:

[“contact-form-7 id=”218″ title=”اتصل بنا”]