المسؤولية العقدية والتقصيرية

يُعتبر موضوع المسؤولية العقدية والتقصيرية من أبرز موضوعات القانون المدني، لما له من أثر مباشر على استقرار المعاملات المدنية والتجارية وحماية الحقوق الفردية والجماعية. فالمسؤولية هي الأداة القانونية التي تُلزم الشخص بجبر الضرر الذي ألحقه بالغير، سواء كان ناشئًا عن إخلال بعقد (المسؤولية العقدية) أو عن فعل ضار خارج نطاق العقد (المسؤولية التقصيرية). وتُجسد هذه القواعد التوازن بين مصلحة المضرور في التعويض ومصلحة المسؤول في عدم تحميله ما لم يثبت خطؤه أو تقصيره.

وتكمن أهمية هذا الموضوع في أنه يعكس فلسفة القانون المدني في تنظيم العلاقات الخاصة، إذ يقرر مسؤولية الشخص عن أفعاله أو التزاماته، ويضع إطارًا لتحقيق العدالة والردع والضمان.

أولاً: تعريف المسؤولية وأساسها القانوني

  • المسؤولية هي التزام قانوني يقع على عاتق شخص معين بجبر الضرر الذي أحدثه للغير.
  • وقد تكون هذه المسؤولية مدنية تهدف إلى التعويض، أو جنائية تهدف إلى العقاب.
  • وفي نطاق القانون المدني، تتمثل المسؤولية في التزام المدين أو الفاعل بدفع تعويض يعادل الضرر الذي لحق بالمضرور.

1. المسؤولية العقدية :

  • المسؤولية العقدية هي الالتزام بالتعويض عن الضرر الناشئ عن الإخلال بتنفيذ عقد صحيح.
  • فإذا أبرم شخص عقدًا والتزم بموجبه بعمل أو امتناع عن عمل ولم ينفذ التزامه أو نفذه على نحو معيب، كان مسؤولاً عقدياً.

2. المسؤولية التقصيرية :

  • المسؤولية التقصيرية، أو المسؤولية عن العمل غير المشروع، هي الالتزام بالتعويض عن الضرر الناشئ عن فعل غير مشروع صادر من الشخص،
  • سواء كان عمديًا أو نتيجة إهمال أو تقصير، دون أن يكون هناك عقد يربطه بالمضرور.

3. الأساس القانوني للمسؤوليتين :

  • في القانون المدني المصري، نجد أن المواد (163 وما بعدها) نظمت المسؤولية التقصيرية، بينما المواد (147 وما بعدها) تناولت المسؤولية العقدية.
  • أما في القانون الفرنسي، فقد وضع المشرع قاعدة عامة للمسؤولية التقصيرية في المادة 1240 من القانون المدني الفرنسي، والمسؤولية العقدية في باب الالتزامات الناشئة عن العقود.
  • بينما في الفقه الإسلامي، نجد أن الضمان (التعويض) له أصول راسخة سواء في حالة الإتلاف بعقد أو بغير عقد.

ثانياً: أركان المسؤولية العقدية

المسؤولية العقدية تقوم على ثلاثة أركان أساسية:

  1. وجود عقد صحيح: فلا يمكن تصور المسؤولية العقدية إلا إذا كان هناك عقد مبرم بين الطرفين.
  2. إخلال أحد الطرفين بالتزاماته العقدية: ويشمل ذلك عدم التنفيذ أو التأخر في التنفيذ أو التنفيذ المعيب.
  3. حدوث ضرر للطرف الآخر: يجب أن يثبت أن إخلال المدين بالالتزام أدى إلى إلحاق ضرر بالدائن.
  4. علاقة السببية: أي وجود رابطة سببية بين الإخلال والضرر.

ثالثاً: أركان المسؤولية التقصيرية

تقوم المسؤولية التقصيرية على ثلاثة أركان أيضًا:

  1. الخطأ: وهو الإخلال بالتزام قانوني عام بعدم الإضرار بالغير، ويشمل العمد والإهمال والرعونة.
  2. الضرر: يجب أن يكون الضرر محققًا، مباشرًا، وشخصيًا بالمضرور.
  3. علاقة السببية بين الخطأ والضرر: بحيث يكون الضرر نتيجة مباشرة للفعل الضار.

رابعاً: أوجه التشابه والاختلاف بين المسؤوليتين

رغم اختلاف الأساس القانوني لكل منهما، إلا أن هناك نقاط التقاء جوهرية، أبرزها:

أوجه التشابه :

  • كلتاهما تهدفان إلى جبر الضرر وتعويض المضرور.
  • كلتاهما تتطلب وجود ضرر وعلاقة سببية.
  • في كل منهما يمكن أن تكون المسؤولية شخصية أو بالتبعية (كالمسؤولية عن أعمال التابع).

أوجه الاختلاف :

إليك أوجه الاختلاف بين المسؤولية العقدية والمسؤلية التقصيرية :

المصدر:

  • العقد هو أساس المسؤولية العقدية.
  • الفعل غير المشروع هو أساس المسؤولية التقصيرية.

الالتزام المخلّ:

  • في العقد: الالتزامات محددة سلفًا.
  • في التقصير: الالتزام عام بعدم الإضرار بالغير.

الإعفاء من المسؤولية:

  • يجوز الاتفاق على الإعفاء من بعض صور المسؤولية العقدية (إلا في حالات الغش أو الخطأ الجسيم).
  • لا يجوز الاتفاق مسبقًا على الإعفاء من المسؤولية التقصيرية لأنها متعلقة بالنظام العام.

العبء الإثباتي:

  • في العقد: يكفي أن يثبت الدائن عدم التنفيذ.
  • في التقصير: يجب على المضرور إثبات الخطأ والضرر والسببية.

خامساً: التطبيقات العملية والقضائية

المسؤولية العقدية تظهر عندما يُخلّ أحد المتعاقدين بالتزاماته، ومن أبرز صورها:

المسؤولية العقدية:

  • مقاول يتأخر في تسليم بناء في الموعد المتفق عليه.
  • بائع يسلّم بضاعة معيبة.
  • ناقل لا يلتزم بضمان سلامة البضاعة أثناء النقل.

المسؤولية التقصيرية:

  • حادث سير نتيجة رعونة السائق.
  • طبيب يخطئ في تشخيص حالة مريض دون وجود عقد صريح بينهما.
  • شخص يتلف ممتلكات غيره عمدًا أو إهمالاً.

سادساً: المسؤولية العقدية والتقصيرية في القوانين المقارنة

  • القانون المصري: يضع تمييزًا واضحًا بين المسؤوليتين مع إمكانية الجمع بينهما في بعض الحالات، مثل مسؤولية الناقل أو الطبيب.
  • القانون الفرنسي: أكثر صرامة في الفصل بين المسؤوليتين، فلا يمكن للمضرور أن يختار المسؤولية التي يرفع دعواه استنادًا إليها إذا كان هناك عقد.
  • القانون الإنجليزي (Common Law): يركز على فكرة “الإخلال بالواجب” Duty of Care، والتي تقترب في بعض الأحيان من المسؤولية العقدية حتى دون وجود عقد.
  • الفقه الإسلامي: لا يفرّق من حيث الأساس بين العقد والتقصير، بل يركز على فكرة “الضمان” وجبر الضرر سواء ناتج عن عقد أو غيره.

سابعاً: التحديات العملية

  • صعوبة إثبات العلاقة السببية في المسؤولية التقصيرية، خاصة في حالات الضرر غير المباشر.
  • محاولات بعض المدينين التنصل من التزاماتهم عبر إدراج شروط تعفيهم من المسؤولية العقدية.
  • تداخل المسؤوليتين في بعض المهن (مثل مهنة الطبيب أو المحامي) حيث يمكن أن يجتمع العقد والتقصير.
  • صعوبة تحديد التعويض العادل الذي يوازن بين مصلحة المضرور وعدم إرهاق المدين.

ثامناً: أثر المسؤولية العقدية والتقصيرية على استقرار المعاملات

  • حماية الحقوق: حيث تشكل المسؤولية العقدية ضمانة للدائنين، والتقصيرية حماية للمجتمع.
  • تحقيق العدالة: عبر رد الحقوق إلى أصحابها.
  • الردع: إذ تمنع الأفراد من التهاون في التزاماتهم أو الإضرار بالغير.
  • الاستقرار الاقتصادي: من خلال تعزيز الثقة في المعاملات والعقود.

 

 

يتمتع مكتبنا بخبرة واسعة في مختلف أنواع القضايا والمسائل القانونية، مما يجعله خيارًا مثاليًا لكل من يبحث عن حلول قانونية دقيقة وفعالة. سواء كنت تواجه قضية شخصية أو تجارية، أو تحتاج إلى توجيه قانوني متخصص، فإن فريق المحامين لدينا على استعداد لتقديم الدعم الكامل لك.

لمعرفة المزيد عن خدماتنا أو لحجز استشارة قانونية، يمكنك التواصل معنا عبر الضغط على الرابط التالي، أو ملء النموذج أدناه وسنقوم بالرد عليك في أقرب وقت ممكن:

[“contact-form-7 id=”218″ title=”اتصل بنا”]