يُعد موضوع المساواة بين الجنسين في الميراث من المواضيع الحساسة والمثيرة للجدل في معظم المجتمعات، خاصة في السياقين الديني والقانوني. إذ أن الميراث يمثل واحدًا من الحقوق الأساسية التي يتم التنازع عليها، ويختلف تفسيره بناءً على النظام القانوني المعتمد، سواء كان وفقًا للقوانين المدنية أو وفقًا للفقه الإسلامي.
فيما يتعلق بالفقه الإسلامي، يتسم تقسيم الميراث بنظام معقد يشمل تحديد حصص معينة لكل وارث بناءً على نوعه، إذ تتفاوت حصص الرجل عن المرأة، وهو ما يعزز الجدل حول مسألة المساواة بين الجنسين في الميراث. في المقابل، تنادي القوانين المدنية الحديثة في العديد من الدول بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق بما فيها حق الميراث. ومن هنا يظهر التناقض بين الفقه الإسلامي الذي ينص على تقسيم الميراث بشكل متفاوت بين الجنسين، وبين القوانين المدنية التي تسعى لتحقيق المساواة التامة.
تهدف هذه المقالة إلى استكشاف هذا الجدل حول المساواة بين الجنسين في الميراث، من خلال مقارنة الفقه الإسلامي والقوانين المدنية في هذا المجال، وشرح أسباب الاختلاف بين النظامين، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الحلول الممكنة لتجاوز هذا التناقض. ويمكنك أيضاً معرفة أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في توزيع الميراث في الدول العربية ؟
الميراث في الفقه الإسلامي ؟
- يعد الفقه الإسلامي أحد أقدم الأنظمة القانونية التي نظمت حقوق الأفراد في الميراث،
- ويتسم بالخصوصية التي تحدد حصص الورثة بناءً على النصوص الدينية من القرآن الكريم والسنة النبوية.
- ولقد أشار القرآن الكريم إلى كيفية توزيع الميراث بين الورثة في العديد من الآيات، ومن أشهرها قوله تعالى في سورة النساء:
- “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِذَكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ” (النساء: 11).
- هذه الآية تبرز بوضوح توزيع الميراث بين الذكور والإناث، حيث يتم منح الذكر ضعف ما تحصل عليه الأنثى.
- لكن هذا ليس معيارًا ثابتًا في جميع الحالات، بل يعتمد على توزيع الميراث وفقًا لمجموعة من الأحكام التفصيلية التي تأخذ في الاعتبار العائلة والأقارب المعنيين.
الأساس الشرعي لاختلاف الحصص بين الذكر والأنثى:
- في الفقه الإسلامي، يقوم تقسيم الميراث على مبدأ “العدل”، لكن مفهوم العدل في الإسلام لا يتساوى مع “المساواة” في المفهوم الغربي.
- ففي حين أن للذكر ضعف ما للأنثى في بعض الحالات، فإن هذا يعود إلى المفهوم الإسلامي الذي يعتبر أن الذكر يتحمل مسؤولية النفقة على الأسرة،
- سواء كانت زوجته أو أولاده، بينما المرأة في الأصل لا تُطالب بهذه المسؤولية المالية، مما يبرر من منظور الفقه الإسلامي فرق الحصص بين الجنسين.
استثناءات في تقسيم الميراث:
- ورغم أن هناك حالات تقسم فيها حصص الميراث بشكل مختلف بين الذكور والإناث،
- فإن هناك أيضًا استثناءات في بعض الحالات التي تتطلب توزيعًا أكثر عدلاً بين الرجل والمرأة.
- فمثلًا، يمكن أن تحصل المرأة على نفس حصة الرجل في بعض الحالات الخاصة مثل الوارث الوحيد أو في حالة التقاسم بالمساواة بين الزوجين.
- لكن مع ذلك، يبقى من المتعارف عليه في الفقه أن الذكر يحصل على نصيب أكبر من الأنثى.
الميراث في القوانين المدنية ؟
- تمثل القوانين المدنية في الدول الغربية والعديد من الدول العربية الحديثة إطارًا قانونيًا يهدف إلى ضمان المساواة بين الأفراد، بغض النظر عن جنسهم أو دينهم.
- ولذلك، تنص القوانين المدنية في العديد من الدول على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق بما في ذلك الميراث.
القوانين المدنية الحديثة والمساواة بين الجنسين:
- يتم في القوانين المدنية تحديد حصص الميراث بين الورثة على أساس المساواة بين الرجل والمرأة.
- ففي معظم الدول الغربية، يُمنح كل وارث نفس الحقوق بغض النظر عن الجنس.
- فكل من الرجل والمرأة يحصلان على نفس الحصة من الميراث عندما يكونان في نفس المكانة الاجتماعية،
- مما يعني أن المرأة والرجل يحصلان على نفس نسبة الميراث من المتوفى.
الميراث في الدول العربية:
- في الدول العربية التي تطبق القوانين المدنية، يختلف الوضع بحسب الدولة. ففي بعض الدول مثل تونس والمغرب،
- تم إدخال تعديلات قانونية تهدف إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.
- ففي تونس، على سبيل المثال، تم تعديل القوانين في منتصف القرن العشرين لضمان حق المرأة في الميراث بمساواة مع الرجل،
- وقد أتاح ذلك للنساء الفرصة للحصول على حقوقهن في الممتلكات الخاصة دون تمييز.
- لكن في دول أخرى مثل السعودية، حيث تطبق الشريعة الإسلامية في معظم جوانب الحياة القانونية،
- لا يزال تقسيم الميراث يعتمد على الفقه الإسلامي الذي يحدد حصصًا مختلفة بين الذكور والإناث.
الإصلاحات القانونية:
- حاولت بعض الدول الأخرى التي تطبق القوانين المدنية في جوانب مختلفة من الحياة الاجتماعية إدخال بعض الإصلاحات لمواءمة القوانين مع الحقوق الإنسانية المعاصرة.
- في هذا السياق، من الممكن أن يتم تعديل قوانين الميراث لتضمن المساواة بين الجنسين بما يتماشى مع مفاهيم العدل الحديث التي لا تميز بين الرجل والمرأة.
التحديات والجدل بين الفقه الإسلامي والقوانين المدنية ؟
- تثير مسألة المساواة بين الجنسين في الميراث جدلاً واسعًا، سواء في المجتمعات الإسلامية أو المجتمعات التي تعتمد على القوانين المدنية.
- ويرتكز هذا الجدل حول التفسير المختلف للمساواة والعدل بين النظامين.
الاختلاف بين مفهوم “العدل” في الفقه الإسلامي و”المساواة” في القوانين المدنية:
- العدالة في الفقه الإسلامي تختلف عن المساواة في القوانين المدنية. ففي الإسلام، العدل يعني إشباع حقوق كل شخص بما يتناسب مع مسؤوليته في الحياة الاجتماعية.
- على سبيل المثال، الذكر الذي يُطالب بالإنفاق على الأسرة يحصل على نصيب أكبر من الأنثى التي لا تُطلب منها مسؤوليات مشابهة.
- وهذا المفهوم يعتمد على الدور الاجتماعي التقليدي للرجال والنساء.
- أما في القوانين المدنية، فإن المساواة تعني إعطاء كل شخص نفس الحقوق بغض النظر عن جنسه أو دوره الاجتماعي.
- ومن هنا يأتي التناقض بين النظامين، حيث يرى البعض أن التفرقة في الميراث على أساس الجنس تتناقض مع مبادئ العدالة الحديثة.
التحديات الاجتماعية والثقافية:
- المجتمعات الإسلامية، التي تعتمد في تنظيم حياتها اليومية على الشريعة الإسلامية، تواجه تحديات كبيرة في تطبيق المساواة في الميراث بين الجنسين.
- ففي بعض المجتمعات، يتعارض تطبيق المساواة في الميراث مع الثقافة والتقاليد التي تعزز دور الرجل كمعيل أساسي للأسرة.
- هذه العادات قد تكون متجذرة في الثقافة الاجتماعية ويصعب تغييرها.
- أما في المجتمعات الغربية أو الدول ذات القوانين المدنية التي تنادي بالمساواة التامة،
- فإن تطبيق المساواة في الميراث قد يواجه مقاومة من جانب بعض الأفراد أو الجهات التي تتبنى فكرًا دينيًا متشددًا.
موقف النساء في المجتمعات الإسلامية:
- تعد قضية الميراث بين الجنسين قضية شائكة بالنسبة للنساء في المجتمعات الإسلامية.
- فمن جهة، يطالب البعض بضرورة تعديل القوانين لضمان حصول المرأة على نفس نصيب الرجل في الميراث، استنادًا إلى مبدأ المساواة بين الجنسين.
- ومن جهة أخرى، هناك من يرفض هذا التعديل استنادًا إلى التفريق الشرعي بين الذكر والأنثى في الميراث،
- مستندين إلى النصوص الدينية التي تحدد حصصًا متفاوتة بين الجنسين.
الحلول الممكنة لتجاوز هذا الجدل ؟
تجاوز الجدل حول المساواة بين الجنسين في الميراث يتطلب تبني حلول متوازنة . إليك أبرز الحلول الممكنة:
إعادة تفسير النصوص الدينية:
- من الممكن أن يكون هناك مجال لتطوير الاجتهادات الدينية حول الميراث.
- بعض العلماء والمفكرين الإسلاميين دعوا إلى ضرورة إعادة النظر في تفسير بعض النصوص المتعلقة بالميراث لتتناسب مع المفاهيم المعاصرة للعدالة والمساواة.
الاستفادة من النظم القانونية الحديثة:
- في بعض الدول الإسلامية، يمكن دراسة كيفية دمج المبادئ المدنية الخاصة بالمساواة بين الجنسين مع القوانين الإسلامية بشكل يتسم بالمرونة.
- يمكن تفعيل الحلول التي تجمع بين احترام الشريعة الإسلامية ومتطلبات حقوق الإنسان الحديثة.
التثقيف والمساواة القانونية:
- من المهم نشر الوعي بين أفراد المجتمع حول مسألة المساواة في الميراث من خلال برامج التثقيف القانونية والدينية،
- لتعزيز الفهم المشترك حول أهمية المساواة دون التضحية بالقيم الدينية.
وللمزيد من المعلومات حول الاستشارات القانونية، يمكنك الاستعانة بمحام من مكتب الزيات للمحاماة والاستشارات القانونية. وذلك بفضل خبرته الكبيرة في المسائل القضائية بأنواعها. كما يمكنك أيضًا معرفة المزيد عن مكتب والتواصل معنا عن طريق الضغط هنا أو من خلال النموذج التالي: