حماية الحق المعنوي الماس بالشرف والكرامة ضمن القانون

تُعد الكرامة الإنسانية والشرف من أهم القيم التي يقوم عليها المجتمع الإنساني، فهما يمثلان جوهر الشخصية الإنسانية ومصدر احترام الإنسان لذاته واحترام الآخرين له. ومن هذا المنطلق، جاء القانون ليضع من الضمانات والآليات ما يكفل حماية هذه الحقوق المعنوية من أي اعتداء أو مساس بها، سواء كان ذلك قولًا أو فعلًا أو نشرًا أو تشهيرًا. فالحق في الكرامة ليس مجرد قيمة أخلاقية، بل هو حق قانوني أصيل يحظى بالحماية في مختلف التشريعات الوطنية والدولية.

لقد تطور مفهوم حماية الشرف والكرامة عبر العصور، فبعد أن كان الأمر متعلقًا بالأعراف والتقاليد الاجتماعية، أصبح اليوم جزءًا من المنظومة القانونية والحقوقية التي تتعامل معه كأحد الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية، التي لا يجوز التنازل عنها أو المساس بها.
وفي ظل التطور التقني وانتشار وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ازدادت أهمية البحث في هذا الموضوع، نظرًا لتزايد صور الاعتداء على السمعة والشرف، سواء بالنشر أو التشهير أو القذف أو السب أو الإساءة عبر الوسائل الإلكترونية.

تهدف هذه المقالة إلى بيان الأساس القانوني لحماية الحق المعنوي الماس بالشرف والكرامة، وبيان صوره ووسائل حمايته في القوانين المختلفة، مع عرض مواقف القضاء والفقه، ومناقشة الإشكاليات العملية التي يثيرها الموضوع في ظل التطورات المعاصرة.

أولًا: الإطار المفاهيمي للحق المعنوي في الشرف والكرامة

  • الحق المعنوي هو ذلك الحق الذي يتعلق بالنواحي الأدبية أو غير المادية للشخص، مثل الحق في الاسم، الحق في الصورة، الحق في السمعة، والحق في الكرامة والشرف.
  • وهو يختلف عن الحق المادي الذي يكون قابلاً للتقويم المالي أو للمقايضة الاقتصادية.
  • الحقوق المعنوية تُعتبر من الحقوق اللصيقة بالشخصية، أي التي تلازم الإنسان من ولادته إلى وفاته، ولا يجوز التنازل عنها أو التصرف فيها.
  • ويُعاقب القانون على أي اعتداء عليها باعتباره انتهاكًا مباشرًا لجوهر الشخصية الإنسانية.

1. مفهوم الشرف والكرامة :

  • الشرف: هو تقدير المجتمع للفرد بناءً على سلوكه وسمعته بين الناس، فهو يعكس الصورة الاجتماعية للفرد وما يتمتع به من احترام بين أقرانه.
  • الكرامة: هي القيمة الجوهرية التي تميز الإنسان وتجعله محل احترام لذاته، بصرف النظر عن مكانته أو وضعه الاجتماعي.

الشرف إذًا يمثل الجانب الاجتماعي الخارجي من الحق المعنوي، بينما الكرامة تمثل جانبه الذاتي الداخلي. وكلاهما يشكلان وحدة لا تتجزأ ضمن منظومة الحقوق الإنسانية.

2. الطبيعة القانونية للحق في الشرف والكرامة :

  • يُجمع الفقه على أن الحق في الكرامة والشرف هو حق شخصي غير مالي، لا يقبل التصرف أو التنازل أو التقادم.
  • ويُعتبر الاعتداء عليه سببًا للمسؤولية القانونية سواء كانت جنائية أو مدنية.
  • فمن الناحية الجنائية، يُعاقب القانون على جرائم القذف والسب والتشهير باعتبارها اعتداءً على شرف وكرامة الغير.
  • أما من الناحية المدنية، فيحق للمعتدى عليه المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي الناتج عن المساس بكرامته أو سمعته.

ثانيًا: الأساس القانوني لحماية الحق المعنوي في الشرف والكرامة

  • إن حماية الحق في الشرف والكرامة تستند إلى منظومة قانونية متكاملة، تشمل الدساتير والقوانين الوضعية والاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى المبادئ العامة في الفقه والقضاء.
  • ويُعد هذا الحق من الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية، التي لا يجوز التنازل عنها أو المساس بها، إذ تمثل الكرامة أساس جميع الحقوق الأخرى.
  • ويمكن بيان الأساس القانوني لحماية هذا الحق من خلال المحاور الآتية:

1. في الدساتير :

  • تقرّ معظم الدساتير الحديثة بمبدأ صون الكرامة الإنسانية. فالدساتير العربية مثل الدستور المصري (المادة 51) تنص على أن:
  • “الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها.”
  • كما تؤكد دساتير أخرى مثل الدستور المغربي والجزائري والتونسي على أن الإنسان يولد حرًا وتُصان كرامته،
  • وهو ما يعكس اعترافًا صريحًا من المشرع الدستوري بأن الكرامة الإنسانية هي أصل الحقوق جميعها.

2. في القانون المدني :

  • يؤسس القانون المدني حماية الحق في الشرف والكرامة على مبدأ المسؤولية التقصيرية، إذ نصت المواد العامة في المسؤولية على أن:
  • “كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض.”
  • ويُعد المساس بالشرف أو الكرامة ضررًا أدبيًا يحق للمعتدى عليه المطالبة بجبره ماديًا عن طريق التعويض المالي، حتى وإن كان الضرر غير قابل للتقويم المادي.

3. في القانون الجنائي :

جاء القانون الجنائي لحماية الشرف والكرامة من خلال تجريم الأفعال التي تمس بسمعة الأشخاص، ومن أبرزها:

  • جريمة القذف: وهي إسناد واقعة معينة تستوجب العقاب أو الاحتقار إلى شخص ما، دون أن تكون هذه الواقعة صحيحة.
  • جريمة السب: وهي كل تعبير أو لفظ يتضمن تحقيرًا أو ازدراءً لشخص ما دون أن يتضمن إسناد واقعة محددة.
  • جريمة التشهير: نشر أو إذاعة معلومات أو أخبار تمس بسمعة شخص، بغض النظر عن صحتها أو نيتها.

ويُلاحظ أن هذه الجرائم جميعها تمثل حماية جنائية فعالة للحق في الكرامة والشرف.

4. في الاتفاقيات الدولية :

أكّدت المواثيق الدولية على حماية هذا الحق، ومن أبرزها:

  • الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) الذي نص في المادة (1) على أن “الناس يولدون أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق”، وفي المادة (12) على أنه “لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو شرفه وسمعته.”
  • العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966) نص في المادة (17) على الحماية نفسها.
    وبذلك، اكتسب الحق في الشرف والكرامة صفة الحق الإنساني العالمي.

ثالثًا: صور الاعتداء على الشرف والكرامة

  • يمثل الحق في الشرف والكرامة أحد أهم الحقوق الشخصية التي يحميها القانون، باعتباره لصيقًا بالذات الإنسانية وغير قابل للتنازل أو المساس به.
  • غير أن الواقع العملي يُظهر تعدد صور الاعتداء على هذا الحق، سواء في الأفعال أو الأقوال أو النشر أو الإيحاءات أو الممارسات التمييزية،
  • الأمر الذي استدعى من المشرّع والقضاء وضع آليات واضحة لمواجهة هذه الاعتداءات.
  • ويمكن تصنيف صور الاعتداء على الشرف والكرامة إلى أنواع متعددة وفقًا لطبيعة الفعل ووسيلة ارتكابه، كما يلي:

1. الاعتداء اللفظي أو الكتابي :

  • ويشمل كل قول أو كتابة تتضمن إهانة أو قذفًا أو سبًا لشخص آخر، سواء كان ذلك في الأماكن العامة أو عبر وسائل الإعلام أو الوسائط الإلكترونية.

2. التشهير الإعلامي :

  • تُعد وسائل الإعلام اليوم من أبرز الأدوات التي يمكن أن تمس بسمعة الأفراد، عندما يتم نشر أخبار كاذبة أو موجهة تضر بكرامة الأشخاص أو مكانتهم الاجتماعية.
  • القوانين الحديثة أصبحت تفرض مسؤولية على المؤسسات الإعلامية والصحفيين عند نشرهم معلومات تمس الحياة الخاصة أو الشرف.

3. الإساءة عبر الإنترنت :

  • مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت ظاهرة السب والقذف الإلكتروني شائعة جدًا. وتقوم العديد من التشريعات بتجريم هذه الأفعال تحت مسمى الجرائم الإلكترونية.
  • فالقانون المصري مثلًا رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات يفرض عقوبات صارمة على من يستخدم الإنترنت للإساءة أو التشهير بالآخرين.

4. الاعتداء المادي المؤدي إلى المساس بالكرامة :

  • مثل حالات التمييز العنصري أو التعذيب أو الإهانة الجسدية أو اللفظية أثناء التوقيف أو الاستجواب،
  • وهي اعتداءات مباشرة على الكرامة الإنسانية، نصت القوانين على تجريمها لحماية قيمة الإنسان واحترامه.

رابعًا: وسائل الحماية القانونية للحق في الشرف والكرامة

  • يُعد الحق في الشرف والكرامة من أسمى الحقوق المعنوية التي حرصت القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية على صيانتها،
  • إذ تمثل هذه الحقوق جوهر شخصية الإنسان وكرامته الإنسانية.
  • ولما كانت الاعتداءات على الشرف والكرامة تمس الجانب المعنوي للإنسان أكثر مما تمس مصلحته المادية،
  • فقد وضع المشرّع مجموعة من الوسائل القانونية لحمايتها، سواء كانت وسائل جنائية أو مدنية أو إدارية أو حتى دستورية. ويمكن تفصيل هذه الوسائل على النحو الآتي:

1. الحماية المدنية :

  • تتمثل في التعويض عن الضرر الأدبي، الذي يهدف إلى جبر الأذى النفسي والمعنوي الذي لحق بالمجني عليه.
  • ويُقدّر التعويض وفقًا لجسامة الفعل وآثاره الاجتماعية والنفسية.
  • وقد استقر القضاء على أن التعويض عن الضرر الأدبي ليس لإثراء المجني عليه ماديًا، بل لتخفيف المعاناة التي لحقت به نتيجة الفعل غير المشروع.

2. الحماية الجنائية :

  • تتحقق من خلال العقوبات التي يفرضها القانون على الجاني، مثل الغرامة أو الحبس أو كليهما، بحسب طبيعة الجريمة.
  • ويُراعى في تقدير العقوبة نية الجاني ووسيلة النشر ومدى انتشار الإساءة.

3. الحماية الإدارية :

  • قد تتدخل السلطات الإدارية أو الهيئات المستقلة (مثل المجلس الأعلى للإعلام أو لجان الانضباط المهني) لمعاقبة أو توقيف من يسيء استخدام سلطته أو مهنته في المساس بكرامة الغير.

4. الحماية الدولية :

  • في حال فشل الدولة في حماية الأفراد داخل نطاقها، يمكن للضحايا اللجوء إلى اللجان الدولية المعنية بحقوق الإنسان أو رفع شكاوى أمام الهيئات الأممية المختصة،
  • استنادًا إلى الاتفاقيات الدولية المصادق عليها.

خامسًا: الفقه والقضاء في تفسير الحق في الشرف والكرامة

  • يُعد الحق في الشرف والكرامة من الحقوق المعنوية التي أولى الفقهاء والمفكرون القانونيون اهتمامًا كبيرًا بها،
  • لما لها من ارتباط وثيق بجوهر الشخصية الإنسانية وكرامتها التي تُعد الأساس الذي يقوم عليه المجتمع المتحضر.
  • وقد تناول كل من الفقه والقضاء هذا الحق بالتفسير والتحليل لتحديد مضمونه وحدوده،
  • وبيان كيفية حمايته من الاعتداءات التي قد تمس مكانة الإنسان واعتباره بين الناس.

1. الاتجاه الفقهي :

  • اتجه الفقه القانوني إلى تأكيد أن الحق في الكرامة ليس فقط حقًا سالبًا (يمنع الاعتداء)، بل هو حق إيجابي أيضًا، يوجب على الدولة حماية الأفراد من أي سلوك يمس بكرامتهم.
  • ويرى بعض الفقهاء أن حماية الشرف تدخل ضمن حماية الحياة الخاصة، لأنها تتعلق بالجانب الشخصي للفرد الذي لا يجوز كشفه أو تشويهه أمام الغير.

2. الاجتهاد القضائي :

  • القضاء المصري أكد في أحكامه أن “المساس بسمعة الإنسان وشرفه يشكل ضررًا أدبيًا يستوجب التعويض.”
  • القضاء الفرنسي يميز بين النقد المشروع والاعتداء على الكرامة، فالنقد المقبول هو ما يهدف إلى المصلحة العامة دون نية التشهير.
  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أرست مبدأ التوازن بين حرية التعبير وحق الإنسان في الكرامة، معتبرة أن الحرية الإعلامية لا تمتد لتبرير الإهانة أو التشهير.

سادسًا: التوازن بين حرية التعبير وحماية الشرف والكرامة

  • يُعتبر هذا الجانب من أكثر المسائل حساسية في التطبيق العملي، لأن كل نظام قانوني يسعى لتحقيق توازن دقيق بين حماية الكرامة وحرية الرأي.
  • فمن جهة، حرية التعبير ضرورية في المجتمع الديمقراطي.
  • ومن جهة أخرى، يجب ألا تتحول هذه الحرية إلى وسيلة للإساءة أو التشهير.
  • القانون يضع حدودًا للحرية عندما تتجاوز الغرض المشروع منها، كأن تتحول إلى نشر الإشاعات أو التحقير أو الإهانة.
  • ويُعد معيار “النفع العام” من أهم المعايير التي يستخدمها القضاء للفصل بين التعبير المشروع والاعتداء على الكرامة.

سابعًا: التطبيقات العملية لحماية الشرف والكرامة

  1. قضايا التشهير الإعلامي: ألزمت المحاكم بعض القنوات بدفع تعويضات ضخمة لأشخاص تعرضوا لحملات تشويه إعلامية.
  2. القضايا الإلكترونية: أصدرت محاكم عربية أحكامًا بالسجن والغرامة بحق أشخاص أساؤوا لآخرين عبر “فيسبوك” و”تويتر”.
  3. القضايا المهنية: تمت معاقبة موظفين ومسؤولين بتهم الإهانة أو إساءة استخدام السلطة لانتقاص كرامة المواطنين أثناء تأدية الخدمة العامة.

ثامنًا: التحديات الحديثة في حماية الكرامة

  1. صعوبة إثبات الضرر المعنوي: لأن الكرامة والشرف قيم معنوية، يصعب قياس الضرر أو تقديره رقميًا، مما يخلق إشكاليات أمام القضاء.
  2. الانتشار السريع للإساءة عبر الإنترنت: التقنيات الحديثة تجعل من الصعب السيطرة على تداول المعلومات المسيئة، حتى بعد حذفها.
  3. الحدود بين النقد والإهانة: يصعب أحيانًا التمييز بين النقد البناء ووسائل التشهير، خصوصًا في الحياة العامة والسياسية.

تاسعًا: المقارنة مع بعض التشريعات الدولية

  • القانون الفرنسي: يميز بين القذف والسب، ويشدد العقوبات إذا تم الاعتداء عبر الصحافة أو وسائل التواصل.
  • القانون الألماني: يعتبر الكرامة قيمة دستورية مطلقة لا يجوز المساس بها تحت أي ذريعة.
  • القانون الأمريكي: يمنح حرية التعبير نطاقًا واسعًا، لكنه يسمح بالمقاضاة في حالات التشهير المتعمد أو القذف الضار.

عاشرًا: نحو رؤية شاملة لتعزيز حماية الحق في الكرامة

لحماية هذا الحق على نحو فعّال، يجب:

  1. تعزيز التوعية المجتمعية بأهمية احترام الآخرين وعدم الإساءة اللفظية أو الإلكترونية.
  2. تطوير التشريعات لتواكب التطور التقني وتغطي الجرائم الإلكترونية المعنوية.
  3. تدريب القضاة والنيابات على التعامل مع قضايا الضرر الأدبي والرقمي.
  4. تشجيع التسوية الودية قبل الوصول إلى المحاكم، خصوصًا في قضايا الإعلام والنشر.

 

 

يتمتع مكتبنا بخبرة واسعة في مختلف أنواع القضايا والمسائل القانونية، مما يجعله خيارًا مثاليًا لكل من يبحث عن حلول قانونية دقيقة وفعالة. سواء كنت تواجه قضية شخصية أو تجارية، أو تحتاج إلى توجيه قانوني متخصص، فإن فريق المحامين لدينا على استعداد لتقديم الدعم الكامل لك.

لمعرفة المزيد عن خدماتنا أو لحجز استشارة قانونية، يمكنك التواصل معنا عبر الضغط على الرابط التالي، أو ملء النموذج أدناه وسنقوم بالرد عليك في أقرب وقت ممكن:

[“contact-form-7 id=”218″ title=”اتصل بنا”]