يُعَدّ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من أبرز فروع القانون الدولي العام المعاصر، فكلاهما يعكس تطورًا في الفكر القانوني والإنساني العالمي الذي يهدف إلى حماية الفرد، سواء في السلم أو أثناء النزاعات المسلحة. وقد أثارت العلاقة بينهما تساؤلات فقهية حول الطبيعة القانونية لكل منهما، والفئة القانونية التي ينتمي إليها هذان النظامان.
تسعى هذه المقالة إلى بيان الفئة القانونية التي يُصنَّف ضمنها كلٌّ من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، مع إيضاح الأساس التاريخي والفقهي والسياسي لذلك، وصولًا إلى توضيح أوجه التكامل والاختلاف بينهما.
أولًا: الإطار العام للقانون الدولي العام
- يتميز القانون الدولي العام بكونه قانونًا فوق وطني، أي أنه لا يقتصر على تنظيم العلاقات داخل دولة معينة،
- بل يعكس إرادة المجتمع الدولي ككل. فهو يضع الضوابط للسلوك الدولي،
- ويُرسّخ مبادئ السلم والأمن، ويحدد الحقوق والواجبات المتبادلة بين مختلف الفاعلين الدوليين.
1. مفهوم القانون الدولي العام :
- القانون الدولي العام هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والأفراد في بعض الحالات،
- ويُعَدّ المصدر الأم للنظم القانونية ذات الطابع الدولي.
2. الفئات القانونية المندرجة تحته :
يمكن تقسيم القانون الدولي العام إلى عدة فئات أساسية:
- قانون السلم: ويشمل القواعد المنظمة للعلاقات بين الدول في الأوقات العادية (مثل قانون البحار، قانون المعاهدات، القانون الدبلوماسي).
- قانون الحرب (القانون الدولي للنزاعات المسلحة): وهو المعني بتنظيم سير العمليات القتالية وحماية المدنيين والمقاتلين.
- القانون الدولي لحقوق الإنسان: يختص بحماية حقوق الأفراد وحرياتهم في جميع الأوقات.
3. موقع القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان :
- من حيث الأصل، ينتمي القانون الدولي الإنساني إلى “قانون الحرب” بينما ينتمي القانون الدولي لحقوق الإنسان إلى “قانون السلم”.
- غير أنّ التداخل بينهما في حماية الكرامة الإنسانية يجعل الفقه يتحدث عن قانون دولي لحماية الإنسان كفئة شاملة لهما.
ثانيًا: القانون الدولي الإنساني والفئة القانونية التي ينتمي إليها
- القانون الدولي الإنساني هو مجموعة القواعد القانونية الدولية المستمدة من المعاهدات والعرف الدولي التي تهدف إلى التقليل من ويلات النزاعات المسلحة،
- من خلال تقييد وسائل وأساليب القتال وحماية الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية أو الذين كفّوا عن المشاركة فيها.
1. تعريف القانون الدولي الإنساني :
- هو مجموعة القواعد الدولية المستمدة من الاتفاقيات والأعراف الدولية التي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة على الأفراد والأعيان المدنية،
- من خلال تقييد وسائل وأساليب الحرب وحماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال.
2. مصادر القانون الدولي الإنساني :
- اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان.
- الأعراف الدولية.
- أحكام المحاكم الدولية (مثل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة).
3. الفئة القانونية التي ينتمي إليها :
ينتمي القانون الدولي الإنساني إلى فئة قانون النزاعات المسلحة (قانون الحرب) ضمن القانون الدولي العام، والسبب في ذلك:
- أنه لا يُطبَّق إلا في حالة النزاع المسلح.
- أن قواعده تنظم السلوك العسكري والعمليات القتالية.
- أنه يحدد الحقوق والواجبات للمقاتلين والدول أثناء الحرب.
4. الطبيعة الحمائية للقانون الدولي الإنساني :
- رغم كونه جزءًا من “قانون الحرب”، إلا أن جوهره الإنساني يجعله يُنظر إليه كأحد أعمدة “القانون الدولي لحماية الإنسان”.
ثالثًا: القانون الدولي لحقوق الإنسان والفئة القانونية التي ينتمي إليها
- القانون الدولي لحقوق الإنسان هو مجموعة القواعد والمعايير القانونية الدولية التي تهدف إلى صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية،
- بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو دينه أو أصله أو معتقده السياسي.
1. تعريف القانون الدولي لحقوق الإنسان :
- هو مجموعة القواعد الدولية التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، سواء أكان في السلم أم في حالات الطوارئ.
2. مصادر القانون الدولي لحقوق الإنسان :
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966.
- الاتفاقيات الإقليمية مثل الاتفاقية الأوروبية والأفريقية لحقوق الإنسان.
3. الفئة القانونية التي ينتمي إليها :
ينتمي القانون الدولي لحقوق الإنسان إلى فئة قانون السلم في القانون الدولي العام، لأنه:
- يُطبَّق في جميع الأوقات وليس فقط أثناء الحرب.
- يفرض التزامات على الدول باحترام وضمان حقوق الأفراد.
- يعكس الطبيعة الحمائية العامة للفرد في الأوضاع العادية.
4. الطابع الإلزامي لحقوق الإنسان :
- يتميز هذا القانون بأن قواعده ذات طبيعة مستمرة لا تسقط حتى في حالة الطوارئ، وإن كان يسمح ببعض القيود الاستثنائية.
رابعًا: العلاقة بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان
- العلاقة بين القانون الدولي الإنساني و القانون الدولي لحقوق الإنسان تُعَد من أكثر المسائل التي أثارت جدلاً فقهيًا وقانونيًا،
- نظرًا للتقاطع بين أهداف كلا النظامين في حماية الكرامة الإنسانية وضمان حقوق الأفراد.
- ورغم هذا الاشتراك في الغاية، إلا أن لكل منهما نطاقًا زمنياً ومكانياً ومجاليًا يحدد تطبيقه. ويمكن تفصيل هذه العلاقة على النحو الآتي:
1. نقاط الالتقاء :
- الهدف المشترك: حماية الكرامة الإنسانية.
- الطبيعة الإلزامية والاتفاقية لكليهما.
- انبثاقهما من القانون الدولي العام.
2. نقاط الاختلاف :
- النطاق الزمني للتطبيق: حقوق الإنسان في كل الأوقات، القانون الإنساني أثناء النزاع فقط.
- الموضوع: حقوق الإنسان تشمل كافة الحقوق، بينما القانون الإنساني يركز على الحد من آثار الحرب.
- المرجعية: حقوق الإنسان تستند إلى المعاهدات العالمية والإقليمية، والقانون الإنساني يرتكز على اتفاقيات جنيف.
3. نظرية “القانون الدولي لحماية الإنسان” :
- ذهب بعض الفقهاء إلى دمج القانونين تحت فئة جديدة هي “القانون الدولي لحماية الإنسان”،
- باعتبارهما فرعين متكاملين يهدفان إلى غاية واحدة، وإن اختلفت وسائلهما.
خامسًا: أسباب الانتماء إلى الفئات القانونية المختلفة
- الطابع التاريخي: القانون الدولي الإنساني نشأ من أعراف الحرب واتفاقياتها، بينما نشأ قانون حقوق الإنسان من الإعلان العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.
- الظروف التطبيقية: القانون الإنساني يتعامل مع الحرب، أما حقوق الإنسان فمع السلم والطوارئ.
- الطبيعة الموضوعية: القانون الإنساني ينظم العلاقات بين المقاتلين والمدنيين، بينما حقوق الإنسان تنظم علاقة الدولة بالفرد.
سادسًا: تطبيقات عملية وقضائية
- أحكام محكمة العدل الدولية في قضية “النشاطات العسكرية في نيكاراغوا” التي ميزت بين قواعد حقوق الإنسان والقانون الإنساني.
- تطبيق المحكمة الجنائية الدولية للقانون الدولي الإنساني في جرائم الحرب.
- قرارات لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي استندت إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حتى في حالات النزاع.